يبدو جلياً أن المجلس العسكري قد حسم أمره وتوكّل على الله لتكوين حكومة كفاءات، متجاوِزاً الاتفاقات السابقة التي تمّت بينه وقوى الحرية والتغيير.
وهذا الرأي أو التحليل مُستنبَط من المبادرات التي انطلقت لدعم وتأييد وتفويض المجلس العسكري لتكوين حكومة انتقالية، تلك المبادرات التي جاءت تحت اسم مبادرة أهل السودان، من رجالات الطرق الأهلية والصوفية والمرأة والشباب، وغيرهم من قطاعات الشعب المختلفة، وهي مبادرة وجدت صدىً وقبولاً لكثير من أهل السودان، حتى من بين مؤيدي الحرية والتغيير، أو الذين شاركوا في صناعة الثورة مع كثير من الشباب.
تأييد مبادرة أهل السودان، جاء بعد التنافُر والتشاكُس بين المجلس العسكري وقوى التغيير من جهة، تباين وجهات النظر داخل قوى الحرية والتغيير من جهة أخرى.
فالصورة المهزوزة التي ظهر بها قيادات قوى الحرية والتغيير، كانت بمثابة أرضية ثابتة لتلك المبادرة، فالتصريحات المُتبادَلة بين قيادات التغيير والمهنيين وبعض الأحزاب كالشيوعي، كل واحد من تلك المكونات له رأي في الطرف الآخر.
بالأمس عقد التوم هجو وأحد أبرز قيادات الجبهة الثورية التي تضم الحركات المسلحة وحزب الأمة القومي، وعدداً من الأحزاب الأخرى، فهو وصل من خارج السودان وتحدث بأسى عن قوى الحرية والتغيير، وطريقة تفكيرهم، وقال إن التفاوض يجب ألا يكون حزمة واحدة، كما فعلت قوى التغيير، وإنما كل ملف يسند لمجموعة محددة تتفاوض فيه مع المجلس العسكري، وقال صراحة (ديل ما بعرفوا حاجة).
لقد أضاعت قوى الحرية الفرصة، حينما لم تقرأ الموقف السياسي جيداً، وظنت أن ارتباك المجلس العسكري في بادئ الأمر ضعف، لكن ما إن استعاد المجلس توازنه وجد من حوله قوى سياسية وأحزاباً وكيانات كلها تقف ضده، بسبب اتفاقه مع قوى الحرية والتغيير، ومن هنا كانت الاستدارة، وتشكُّل وعي لدى الكثيرين أن اتفاق المجلس العسكري وقوى الحرية والتغيير إن قُدّر له أن يطبق، لن يسير بالبلاد إلى بر الأمان بسبب تلك الكتلة التي لا يستهان بها، والتي وجدت نفسها خارج اللعبة السياسية.
لمصلحة الوطن أن تدرك قوى الحرية والتغيير أن السودان ملك للجميع، صحيح أنهم قادوا الثورة، وحقّقوا المستحيل، ولكن للمصلحة العامة يجب استيعاب كافة المكونات من أهل السودان، وهي بالتأكيد الرسالة التي يُريد أهل السودان توصيلها من خلال مبادراتهم التي تدعم وتفوض المجلس العسكري للمضي في تشكيل الحكومة. وضع مصلحة الوطن يجب أن تكون فوق المرارات والغبائن، وكما قال الصادق المهدي (من فش غبينتو خرب مدينتو).