كل يوم يمُر، تتّضح رجاحة الرأي الذي يُشير إلى ضرورة أن يتّخذ المجلس العسكري قراره، ويحزِم أمرَه ويحسم مسألة الحكومة المدنية ذات المهام المُحددة التي تُدير الفترة الانتقالية حتى قيام الانتخابات، وهي الفيصل في الجدال والخلاف السياسي، ولَم تترُك قوى الحرية والتغيير خياراً أمام المجلس العسكري والآخرين سوى هذا الطريق، فالبلاد بلا حكومة لمدة زادت عن السبعين يومًا، ولا جديد في التفاوُض مع هذه المجموعات السياسية المُتعنّتة المُتمادِية في غيِّها، المُتمترِسة في موقف واحد لا يُقدّم أو يؤخّر، تظن أنها تمتلك حقاً ليس للآخرين فيه نصيب، ودون أن تُدرك أن الواقع والراهن السياسي قد تجاوَز عتباتِها غير المقدّسة، وأصبحوا عبئاً على عملية التغيير وليس مسلكاً للحلول المُمكِنة .
على القوى السياسية والاجتماعية الأخرى من غير الحرية والتغيير أن تُبادر بقوة وتُعلن تأييدها الواضح والصريح للمجلس العسكري، وتؤيّد وتقِف مع تشكيل حكومة كفاءات وطنية مستقلة، وحشد التأييد السياسي لها حتى تضطلع بمهامها، وتُمثّل القوى السياسية والاجتماعية التي تُساند المجلس العسكري كتلة كبيرة وقوية وصلبة، وتمثّل جماع الشعب السوداني وكل أطيافه ومناطقه واتجاهاته وأمزجته وتنوّعه، وقد ظهر ذلك في اللقاءات القِطاعية والنّوعية والفِئوية الأخيرة، فضلاً عن المواقف المُعلنة من الأحزاب والتنظيمات السياسية .
بالنسبة للحرية والتغيير وأحزابها ومُكوّناتها، فهي قد أضاعت الفُرص التي أتيحت لها، وكانت قاب قوسين أو أدنى من تسنُّم سنام السلطة التنفيذية والتشريعية في البلاد، وربما المشاركة في السلطة السيادية، فأبعد بها الطمع والشرَه السياسي وقلة الخبرة وسوء المقصد والنوايا، فتجرّعت مرارة الكأس، فهي الآن تلهث وراء المبادرات الأجنبية والقوى الدولية طلباً للعون والسند، ضعف الطالب والمطلوب ..
أطلقوا سراحهم أو حاكموهم
بما للمجلس العسكري من سلطة، وبيده مقاليد الأمور، فإن القسطاس والعدل يحتم عليه أن يتعامل بكل وضوح والتزام وفق القانون وصحيحه، والعدالة ومقتضاها، أن يتخذ قراراً في شأن المعتقلين والمُتحفّظ عليهم من قيادات ورموز النظام السابق الموجودين في سجن كوبر، فإما أن يُقدّموا إلى محاكمة ويذهبون إلى ساحة القضاء العادل ليواجه كل منهم ما عليه من تُهَم، أو يُطلق سراحهم فورًا ، فهذه الفترة كافية للتحقيق والتحرّي وتقصّي الحقائق وجمع البينات والمعلومات لو كانت هناك تهم محدّدة أو توجد جرائر وجرائم تم ارتكابها في الفترة التي كانوا فيها في السلطة .
القضاء كفيل بتبيان الحقيقة كاملة إن كان عليهم ما يستوجب عقابهم أو خروجهم أبرياء إذا ثبت العكس، لكن بقاء أشخاص من دون أي تهمة ما يُقارب الثلاثة أشهر دون تحرٍّ أو تحقيق لهو عين الخطأ، إذا كان الرئيس السابق قد مثُل أمام النيابة، وتم التحقيق معه، فما بال الآخرين قابعين في زنازينهم؟ نريد أن نراهم أمام النيابة والقضاء، أو بين أهاليهم طُلَقاء …