الخرطوم: نجدة بشارة 18 مايو 2022م
في الوقت الذي تصطرع فيه قوى الثورة بين الرفض والقبول لأي تسويات سياسية تمكِّن من كسر طوق العزلة وإزالة الشقاق والقطيعة الممتدة بينها، ووسط حالة الانغلاق لأفق الحل، نشطت في مقابلها الحركة الإسلامية وانخرطت في مراجعات فكرية نقدية محمومة لمسيرتها عبر تحركات من فوق وتحت الأرض لإعادة إنتاجها مجدداً كقوى سياسية فاعلة بعد سقوطها المدوي في الحادي عشر من أبريل بثورة زلزلت عرشها واقتلعت جذورها.. فيما يتساءل متابعون على منصات السوشيال ميديا عن ما هي هذه المراجعات، وهل اعتراف الحركة الإسلامية بالخطأ وجلد الذات فضيلة، وهل سوف تشفع لها هذه المُراجعات الفكرية وسط الشعب السوداني؟ وهل هذه المراجعات خطوات لتبني بها قارباً للعودة إلى الواجهة مجدداً…؟
أيادٍ بيضاء ولكن؟
قال القيادي بالحركة الإسلامية أمين حسن عمر، إن الحركة منخرطة في مراجعات نقدية لمسيرتها منذ مدة، وكتب أمين في تدوينة على صفحته بموقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك”: “السودانيون قوم كرام، ذوو أنفة وهذه صفة تورث الكرم والشجاعة وكراهية كل ما يشين، ولكنها تورث أيضاً افتخاراً بالذات وتحيُّزاً لها، يجعل المحاسبة العلنية من المرء لذاته أمراً عسيراً نادر الحدوث”.
وأضاف “الحركة الإسلامية مُنخرطة منذ مدة في مُراجعات نقدية لمسيرتها ولن يصلح الأمر إلا بالمراجعة الصريحة الصادقة.. وإذا صارت المُراجعات أدباً فذلك السبيل لإصلاح الحال.. لذلك نُثمِّن عالياً كل كلمة صريحة واعترافاً شجاعاً بالخطأ”، وتابع “نمد يداً بيضاء لمن مد يداً بيضاء، ولكننا في دارنا لن نستأذن أحداً مدنياً ولا عسكرياً في المُطالبة بحقوق المواطنة كاملة وأخذها كاملةً غير منقوصة مهما كانت تمنعات واعتراضات الخارج والداخل، فالبلد بلدنا ونحن أسيادها في ملكية عامة على الشيوع لكل مواطن حُر في بلد حُر”.
فرفرة مذبوح
مؤخراً، كانت السلطات قد أطلقت سراح عدد من قيادات الإسلاميين من المعتقلات، ثم تسرّبت صور للرئيس المعزول متجولاً في عنابر المستشفى التي كان يلزمها مستشفياً فيها، ثم تسرّبت صورٌ له يمارس فيها الرياضة بالجيم، هذه الأحداث أثارت حفيظة الشارع السوداني وتصاعدت المخاوف بعودة الإسلاميين إلى واجهة الفعل السياسي، لا سيَّما وأن الأحزاب التي وقّعت ميثاقاً سياسياً مؤخراً أظهر مُعظمهم كمُشاركين سابقين للمؤتمر الوطني المحلول.
لكن في المُقابل، قلّل مُراقبون ومحللون من تحرُّكات الإسلاميين، والمراجعات التي يقوموا بها، ووصفوها (بفرفرة المذبوح)، وأكّدوا بأنّ وقتاً طويلاً سوف يمضي قبل أن يقر أو يعترف الشعب السوداني مُجَدّدَاً بالإسلام السياسي في السودان.
إعادة كنسهم
في الأثناء، قطعت الحرية والتغيير، الطريق أمام عودة الحركة الإسلامية للواجهة مُجَدّداً، حيث قطع القيادي بالمجلس المركزي للحرية والتغيير أحمد حضرة بعدم عودة الحركة الإسلامية إلى الواجهة مُجَدّداً، وقال في حديث لـ(الصيحة) إن الشعب السوداني سيعيد كنس الإسلاميين للمرة الثانية، ولن يجدوا القبول مُطلقاً مهما أجروا من مراجعات فكرية أو نقدية، وأردف: لولا اجراءات الخامس والعشرين لما سمعنا أصواتهم وتبجحهم مرةً ثانيةً، ، لأنهم بعد الثورة تواروا من هُم بالداخل وهرب بعضهم للخارج، وأخرجوا أموال البلد المنهوبة، وامتلكوا العقارات والاستثمارات، وزاد الآن عادوا ليتبجّحوا بكل (عين قوية)، ونسوا أن هذه الثورة العظيمة قامت لتكنس آثار ثلاثين سنة، ولكنس ما ارتكبوه في حق الشعب السوداني، وأردف ستزول الأوضاع السياسية وسيُعاد كنسهم ثانياً وحتى ذلك الحين لن يكون لهم قبول مُطلقاً.
ظاهرةٌ اجتماعيةٌ
لكن الخبير الدبلوماسي والأستاذ في المركز الدبلوماسي بوزارة الخارجية د. عبد الرحمن أبو خريس، قال في حديثه لـ(الصيحة) قد نختلف أو نتّفق مع الإسلاميين، لكن لا نستطيع أن ننكر أنهم كيان ليس سهلاً القفز عليه أو حتى إزاحتهم من الساحة السياسية، نسبةً لأنهم ظاهرة اجتماعية ينبغي التعامل معها بالواقعية، والاعتراف بكل الفاعلين سياسياً من أقصى اليسار إلى أقصى اليمين دون تمييز. وأردف صحيحٌ أن الثلاثين سنة الماضية حدث فيها الكثير من التجاوزات والإخفاقات، لكن الاعتراف بالخطأ فضيلة ووجوب المراجعة مقبولٌ حتى مع كل الكيانات السياسية والعقدية، ينبغي أن تُجرى دورياً مثل هذه المراجعات.
جلد الذات
وشرح أبو خريس بأن المراجعات المقصودة ربما للمحاسبة وجلد الذات ومحاولة لإنتاج أفكار جديدة تتواءم والتغييرات الجيوسياسية التي أحدثتها ثورة ديسمبر والتماهي مع هذا التغييرات في حدود الإمكان.
وبسؤاله ما إذا كان إطلاق سراح القيادات الإسلامية مؤخراً قد فتح شهية الإسلاميين مُجَدّداً، قال أبو خريس إن إطلاق سراح الإسلاميين ليس مقياساً لإطلاق شهيتهم للعودة، بقدر ما هو رمزية لعدالة القضاء السوداني ونزاهة القانون، وتوقّع في ذات الوقت أن تجد اعترافات الإسلاميين ومُراجعاتهم القبول وسط نسبة كبيرة من الشعب السوداني، لأنهم كيانٌ سياسيٌّ ولهم حواضن، لكن قلّل من فرصهم في إيجاد ضربة حظ تُعيدهم إلى الواجهة مُجَدّدَاً.