17 مايو 2022م
بل كانت مشكلة..
كانت مشكلة كبيرة بين أسرتين جارتين بالحي..
وسببها أن ابناً لأحد الأسرتين هاتين عاير ابن الأسرة الأخرى بأنه بليد..
وكانا زميليّ دراسة بمدرسة واحدة..
ولم تقتصر المشكلة على النساء والأبناء وحسب؛ وإنما شملت حتى الرجال..
حتى رجال الأسرتين اشتبكا مع بعض..
وحين تطاول أمد المشكلة بين الأسرتين – وحمى وطيسها – تدخل الجيران..
وعقدوا – جميعاً – جلسةً للنظر فيها..
وسأل رجلٌ رشيد من الجيران هؤلاء الابن المتهم بالبلادة: أبليدٌ أنت؟..
فأجاب الولد: لا؛ لست بليداً..
فسأل الولد الثاني صاحب الاتّهام: طيِّب على أي أساس نعته بالبلادة؟..
فأجاب الولد: لأن نتيجته دوماً ضمن الخمسة الأواخر..
فالتفت الرجل إلى الابن الأول وسأله: هل ما يقوله زميلك هذا صحيحٌ؟..
فصمت الولد؛ ومد الجار الحكيم رجليه..
ثم أضاف قائلاً لأبويه: طيب أين المشكلة إن كان ابنكم كذلك فعلاً؟..
فغمغم الوالدان رفضاً لقول الرجل..
فمضى قائلاً: على كل حال بسيطة؛ لنرفع الجلسة لما بعد الامتحان القادم..
فسُقط في أيدي الأبوين..
أما ابنهما فقد انخرط في نوبة بكاء لم يكن لها معنى… أو لها معنى واحد..
وهو أن الامتحان سيُثبت حقيقة بلادته..
وربما يقول البعض إن الرجل هذا لم يكن حكيماً – ولا رشيداً – كما وصفناه..
ونرد نحن بأنه كان في قمة الحكمة… والرشد..
فثمة مشاكل لا يجدي معها أسلوب الطبطبة – والدغدغة – وإنما المواجهة..
مهما تكن قاسيةً؛ المواجهة هذه..
وبالفعل نجح الرجل في تهدئة – ولا نقول وأد – المشكلة بين الأسرتين..
بل كانت هنالك نتيجة إيجابية لحكمته هذه؛ وهي اجتهاد الأبوين مع ابنهما..
فهما يعلمان أن ابنهما مُهملٌ لدروسه فعلاً..
والإهمال هذا هو الذي يجعله يتبوأ مكانة متأخرة في الترتيب الدراسي..
حتى وإن كان – في حقيقة الأمر – ذكياً..
وجاء أوان الامتحان القادم… وأثمر اجتهاد الأبوين هذا مع ابنهما نجاحاً..
والآن هنالك مشكلة سياسية في بلادنا..
وطرفاها عسكر المجلس السيادي… ومن كانوا شركاء لهم من رموز قحت..
وتحديداً مَن يسمون أنفسهم مركزية قحت..
فهم يتّهمون العسكر هؤلاء بأنهم انقلبوا عليهم حين أعلنوا بيان 25 أكتوبر..
والعسكر يتّهمونهم بالفشل..
ورغم فشلهم هذا – يقولون – يستفردون بالأمر كله… ويُهمِّشون الآخرين..
وفوق ذلك انقلابهم هُم أنفسهم على الوثيقة الدستورية..
وتمثل الانقلاب هذا في التنكر لنص التراضي على حكومة كفاءات مستقلة..
وأن تنصرف الأحزاب إلى ما يهمها..
وما يهمها هو الاستعداد للانتخابات عقب انقضاء أجل الفترة الانتقالية..
أو – اقتباساً من قصّتنا أعلاه – الاستعداد للامتحانات..
طيِّب أين المشكلة؟… ونتساءل كما تساءل الحكيم ذاك في جلسة الصلح..
أو جلسة النظر في أُس المشكلة بين الأسرتين..
أليس هذا ما جرت عليه العادة في بلادنا عقب كل ثورة شعبية تطيح بشمولية؟..
فلماذا كل هذه المشكلة إذن؟..
لماذا فولكر؟… ولماذا الضجيج؟… ولماذا التخوين؟… ولماذا الوعيد والتهديد؟..
ولماذا اجتماعات ما تحت الطاولة وما فوقها؟..
ولماذا هياج مريم؟… وتعرق سلك؟… وصياح الدقير؟… ودمدمة كرار؟..
ولماذا كل التلويح هذا بالأصبع من تلقاء جعفر؟..
فالمُشكلة أبسط مِمّا يتخيّلون؛ فليعمل الجميع على إنشاء مفوضية الانتخابات..
وليشارك في الجهد هذا جماعة قحت..
ثم ليشاركوا – من بعد – في مُراقبة صناديق الاقتراع مع جهات دولية..
ليختاروا أي جهة عالمية يحسنون الظن بها..
وذلك كيلا يقولوا إن الانتخابات هذه يُمكن أن تُزوَّر… كما في عهد البشير..
أرأيتم؟… حل المشكلة في مُنتهى البساطة..
اللهم إلا إن كان افتعال المشاكل هذه سببه التهرُّب من الاستحقاق الانتخابي..
إن كانت المشكلة في الانتخابات هذه أصلاً..
بمعنى أنّهم يُريدون أن يحكموا – وخلاص – كسابق عهدهم قبل البيان..
وبلاش انتخابات… وبلاش كلام فارغ..
وفي الحالة هذه فلا يقدر ألف رجل حكيم – ورشيد – على حل المشكلة..
وما على العسكر – إذن – سوى أن يمضوا قُدُماً..
وأن لا يعبأوا بفولكر… ولا هياج مريم… ولا تعرُّق سلك… ولا أصبع جعفر..
فقد كان أصبع سيف الإسلام أشد بعبصةً للهواء..
أما الذين أدمنوا هواية الشارع فليدعوهم وهوايتهم المُحبّبة هذه دون تقتيل..
ومَن يقتل مُتظاهراً سلمياً فليُحاسب فوراً..
ونعلم أن حميدتي قد جلس مع قادة الشرطة محذراً إياهم من تفلتات منسوبيهم..
أو تفلتات بعضهم التي قد تؤدي إلى القتل..
ولتمض المسيرة إلى غايتها الانتخابية؛ والتي هي غاية أي تحول ديمقراطي..
كما مضت – من قبل – مسيرة فترة الانتقال لثورة أبريل..
وكانت بقيادة عساكر – أيضاً – على رأسهم سوار الذهب؛ ولم يحتج أحدٌ..
فأين المُشكلة؟!.