أبدى الرغبة في تطبيقها التجربة الرواندية.. هل تصلح للسودان؟
الخرطوم: مريم أبشر 15 مايو 2022م
أزمة حقيقية سياسية، أمنية، اقتصادية واجتماعية يمر بها السودان أفرزت واقعاً بائساً يعيشه المواطن في الوقت الراهن، تمثَّلت مظاهر هذا الواقع المختلف عن طبيعة الشعب السوداني الموروثة و المتعارف عليها بالطيبة والتسامح واحترام التنوُّع وقبول الآخر، في تفشي ظواهر جديدة تمثلت في بروز ظاهرة خطاب الكراهية والعنف بشتى أنواعه، بجانب التنمُّر ونكران الآخر المختلف والتلاسن و الحِدة والابتعاد عن الحكمة لدى الكثيرين وتحكيم صوت العقل. هي ظواهر لن تدفع باتجاه إيجاد تسوية وخروج البلاد من المأزق الذي تعيش فيه إن لم يتم تدارك الموقف بالطرق على المشتركات التي تجمع إنسان السودان بكل ألوانه وسحناته وقبائله مع إعلاء قيمة الوطن فوق الانتماءات الحزبية والقبلية .
والسودان في محيطه الأفريقي الأقرب لطبيعة إنسانه. كثير من شعوب دول مرَّت بظروف مماثلة ولعل في التجربة الرواندية المريرة وما تعرَّض له ذلك البلد الأفريقي من فتنة قبلية راحت ضحيتها آلاف الأرواح البريئة، ، غير أن الشعب الرواندي تجاوز ذلك الواقع المرير عندما عزم النية على تحكيم صوت العقل بإعلاء قيمة الوطن فكانت المصالحات وتجاوز حقبة الماضي، بعد أن نال المجرم جزاءه غير منقوص، ولعل التجربة الرواندية الزاد والعبرة. فهل يمكن أن تُطبَّق في السودان.
تجربة أنموذج للاقتداء
في احتفال بهيئ احتضنه فندق (السلام روتانا) بالخرطوم بمناسبة المجازر الرواندية أبدى السودان رغبته الاستفادة من التجربة الرواندية في المصالحات المجتمعية والتنمية الاقتصادية، وجدَّد في ذات الوقت تعهده بمبدأ عدم الإفلات من العقاب، وسيادة حكم القانون واحترام حقوق الإنسان وتكوين المؤسسات المنوط بها القيام بذلك .
وجاء إبداء الرغبة السودانية في تطبيق الأنموذج الرواندي في الخطاب الذي قدَّمه المدير العام للشؤون الأفريقية بوزارة الخارجية بالإنابة السفير الزين إبراهيم حسين، في خطاب السودان أمام احتفال البعثة الدبلوماسية الرواندية بالخرطوم بمناسبة الذكرى ٢٨ للإبادة البشرية برواندا التي أقيمت بفندق (السلام روتانا) بالخرطوم مساء الخميس الماضي، حيث أكد السفير الزين، أن إحياء هذه الذكرى يعني تذكُّر آلام الضحايا والحداد على أرواح الأمهات والآباء والأبناء والبنات والأصدقاء والأقارب الذين قتلوا دون ذنب .
ولفت السفير في كلمته إلى أهمية إحياء تلك الذكرى سنوياً، للحيلولة دون حدوثها في المستقبل، ودعا للعمل سوياً على محاربة خطاب الكراهية والعنف وتهميش الآخر والسعي إلى احترام حقوق الإنسان، مشيداً بالقيادة الرواندية في تضميد جراح الماضي والعمل لإنجاح المصالحات الأهلية ومحاكمة مرتكبي الجرائم. ولفت إلى أن رواندا صارت اليوم أنموذجاً يحتذى به في القارة، لا سيما ما حققته من تنمية ونهضة شاملة يشهد عليها العالم .
وأكد السفير الزين، أن السودان في أشَّ الحاجة إلى الاستفادة من التجربة الرواندية في المصالحات والتنمية الاقتصادية، ونقل رغبة السودان في الاستفادة من تلك التجربة في مجال المصالحات المجتمعية وتعزيز دور المرأة والشباب والبناء الوطني. كما أكد رغبة السودان الصادقة في تعزيز التعاون مع رواندا، من أجل تحقيق المصالحة الوطنية والرفاه الاقتصادي لشعبي البلدين وشعوب المنطقة .
اقتفاء الأثر
أبدى السودان الرغبة في الاستفادة من التجربة الرواندية، كما نقله ممثل وزارة الخارجية، لم يكن جديداً فقد ظل رئيس الوزراء المستقبل الدكتور عبد الله حمدوك، يشيد خلال توليه رئاسة الحكومة التنفيذية بالتجربة الرواندية و يدعو للعمل بها خاصة في مجال المصالحات وإنهاء الخصومات القبلية و السياسية والعمل معاً لبناء وطن يسع الجميع. أضف إلى ذلك فإن القيادة الحالية ظلت على تواصل مع الحكومة الرواندية. ففي أبريل المنصرم قام عضو مجلس السيادة الانتقالي الفريق مهندس بحري مستشار إبراهيم جابر إبراهيم، بجولة أفريقية شملت إلى جانب رواندا زمبابوي. التقى الفريق إبراهيم جابر، خلالها بالرئيس الرواندي بول كاغامبي، وسلَّمه رسالة من رئيس مجلس السيادة الانتقالي الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان، تتصل بمسيرة العلاقات الثنائية بين الخرطوم وكيغالي، وسبل دعمها وتطويرها، بجانب القضايا ذات الاهتمام المشترك.
واطلع عضو مجلس السيادة، الفريق مهندس بحري مستشار إبراهيم جابر، على التطورات التي يشهدها السودان، والجهود المبذولة لتجاوز التحديات التي تواجه الفترة الانتقالية وبحث معهما مسيرة العلاقات المتميِّزة بين السودان رواندا وسبل ترقية التعاون الثنائي بما يحقق مصالحهما المشتركة.
تجربة مختلفة
رغم أن رغبة السودان في تطبيق الأنموذج الرواندي يأتي في إطار إعلاء قيمة المصالحات وتجاوز الماضي، إلا أن السفير والخبير في الشأن الأفريقي الطريفي كرمنو، استبعد نجاح التجربة في السودان. وعزا ذلك لاختلاف التجربتين، وقال: إن الحرب في رواندا قامت بين قبيلتين فقط، هما: الهوتو والتوتسي و تدخلت بعض الدول لاحتوائها كبلجيكا بينما في السودان الوضع مختلف فهو بلد يعج بالقبائل والأحزاب المتشاكسة التي يصعب جمعها، وأضاف: إن كانت يمكن السيطرة عليها لِمَا تطاولت الفترة الانتقالية، وأشار إلى أن المشكلة مرتكزة حول الصراع على السلطة من يحكم السودان وليس كيف يحكم. ونبَّه كرمنو، في حديثه لـ(الصيحة) أنه منذ الاستقلال حتى الآن حكومات عسكرية ومدنية تتصارع حول الكرسي وليس كيف يحكم أو كيف يبنى. وأشار كرمنو، إلى أن رواندا كان هدفها كيف تكون وكيف تبني، والسودان خلال أكثر من ستة عقود منذ استقلاله ما زال يبحث عن إجابات حول هل يحكم عبر ولايات أو إقاليم أم مديريات؟
تعظيم المصالح
مراقب ذو صلة بالشأن الأفريقي أكد لـ(الصيحة) أن الأنموذج الرواندي يمكن أن يطبَّق بالسودان إذا أقر الناس تعظيم المصلحة العليا وتسامت فوق الجراح، و أضاف يمكن الاستفادة من التجربة الرواندية، بل يمكن أن تُطبَّق بشكل أفضل، وقال: إن الأمر يحتاج لعزيمة بعيداً عن تصفية الحسابات وتنقية النفوس وأن تتم مواجهة القضايا، ورأى المراقب أن الحوار السوداني سوداني، الذي دعت إليه الآلية الثلاثية هو الأفضل بخلاف المبادرات الأخرى التي تحمل الأجندة داخلها. لفت إلى أن أيِّ حوار سوداني سوداني يدفع باتجاه تكوين حكومة وطنية يعد خطوة ممتازة نحو الحل .
العدالة مبدأ
الدكتور الشفيع خضر، القيادي بالحزب الشيوعي، أشار إلى أن تطبيق العدالة من حيث المبدأ سواءً في رواندا أو جنوب أفريقيا أمر جيِّد، وهو أحد تجليات مفهوم العدالة، ولكن تفاصيل كيف تمت في رواندا أو غيرها يخضع لواقع البلد، و بالتالي تطبيقها في السودان يتم حسب واقع السودان. وأشار الخضر، في تصريح لـ(الصيحة) أن ما جرى في رواندا حرب بين طرفين حُسم عسكرياً ثم تمت المصالحة. وأضاف: أما بالنسبة للسودان هنالك أزمة سياسية وحرب أهلية موجودة في بعض الأقاليم، نتمنى أن لا تصل لحرب شاملة، وأضاف الشفيع بالقول: من حيث المبدأ ما حدث في رواندا يجب أن يتم فيه بعض التحوير يراعي واقع السودان.