حِرتُ ظهر أمس وآخر ليل الخميس في تدبّر الدوافع الملحة التي تجعل أفراداً أو عشرات من قوى سياسية تتحالف وتتقارب في شأن حوارها مع المجلس العسكري الانتقالي ــ وهو تكتل مشروع ــ يقومون بجولات خارجية توزعت بين أديس أبابا وجوبا وربما عواصم أخرى مسكوت عنها! وذلك فيما يبدو للبحث عن سانحة لعرض تصوراتهم في الأزمة الناشبة بسببهم ! وربما للحصول على مسودات مقترحات تلك العواصم سواء كانت حكومات أو منظومات إقليمية، وبالطبع لا داعٍ للحديث عن الاتصالات بالاتحاد الأوربي و(واشنطن) فهؤلاء ربما يحددون لبعض الفصائل السياسية نوع النظام الغذائي المفروض اتباعه، وقد تكون مواقيت الصلاة خاصة أن إعلام التجمعيين قد سبق وسوّق سفير بريطانيا (عرفان) كمندوب سامٍ بالسودان وفوق هذا فهو (شيخ) يؤم الناس في الصلوات، وقد يكون صاحب أوراد صوفية!
الدول والمنظومات الإقليمية الناشطة في وساطات ومبادرات فعلت ذلك من باب الحرص على مصالحها أولاً وأخيراً ثم في مراتب وسطى شاغل الوضع الداخلي للسودان بين غلاف عليه وردة حول المشكل ونوع الأزمة ولها في ذلك وسطاء وتحديداً الاتحاد الأفريقي وجمهورية أثيوبيا الفيدرالية، ومؤكد ومنشور ثم معلوم أن الوسيطين التقيا بقوى الحرية والتغيير وأطرافاً أخرى ثم المجلس العسكري، وعرضت أوراقاً وطرحت مقترحات وجرت أعمال تدقيق وتصويب من كل الأطراف، حيث أن العرف التفاوضي يقول إن الوسطاء عادة سيجمعون النقاط المتقاربة ويتقدمون بعدها بأوراق مرسمة لمنافذ عبور حول النقط الخلافية، فلا داع بكل الأحوال لملاحقة العواصم والمسؤولين لشرح موقف للمندوب أو البحث عن تسريب حول أمر سيتم طرحه للتداول كل على طاولته في ميقات معلوم
ولهذا فلا معنى لتلك الخطوة وحشود المناديب المسافرين والذين حتى مقابلتهم والسماح من الاتحاد الإفريقي بإجلاسهم مع رئيس المفوضية الإفريقية خرق دبلوماسي شنيع وسابقة لم تحدث مع جهات كثيرة حزبية وغير حزبية لها مشاكل مع حكوماتها ومفاوضات؛ وحتى الفرقاء الجنوبيين في مفاوضات إحياء عملية السلام المرعية من (الإيقاد) كانوا يأتون إلى أديس أبابا تحت طلب جلسات تفاوض ولا يلتقيهم مفوض الاتحاد الأفريقي إلا في مفتتح الجلسات الرسمية ومثال آخر يمكن استدعاؤه في الحالة المصرية أثناء تعليق عضويتها في الاتحاد الأفريقي عقب صعود (السيسي)، وعلى الرغم من أن للاتحاد الأفريقي وقتها وساطة وبالقاهرة نشطاء وأحزاب تنازل عسكر السيسي فلم تشهد العاصمة الأثيوبية وصول وفد من قوة ثورية أو ممثلين لأي جماعة للاستفسار أو التقصي أو حتى طلب المعونة.
هؤلاء الذين يتحرون دعم الغرباء كان أولى بتجوالهم الذهاب إلى الولايات وتنوير قواعدهم ومناصريهم بتفاصيل مواقفهم وكامل حقيقة ما يقولون ويفعلون في شأن المفاوضات حول السلطة؛ بل والأهم ما هو مطروحهم في شأن الأزمة الاقتصادية وعموم أحوال البلد، وماذا يرون للعبور بالناس من وضعية الهتاف والشعارات إلى مرحلة الفعل التنفيذي المنزل للأشواق والأفكار؛ فهذا أوقع وأحفظ للكرامة الوطنية كما أنه يدرأ شبهات مشينة تتصاعد ظلالها وكان ليمنع عنهم حرج رد رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي الذي أبلغ زواره أمس الجمعة حيث طلب منهم أن تظل بعض التفاصيل في هذه المرحلة في سرية تامة بعيداً عن الإعلام مما يعني أنه شرح القليل وأمسك عن الأكثر!