فيصل محمد صالح يكتب : عن السر قدور نحكي (1)
14 مايو 2022م
قلت للأستاذ الراحل السر قدور، مرة إنني سأكتب عنه سلسلة حكايات تحت عنوان (سبع صنائع والبخت غير ضائع)، قال لي والله ضائع ونص، لكن أنت يا ولد ماشايف..كان يستخدم تعبير يا ولد تحبباً، وكان يستخدمه للإشارة للأستاذ فضل الله محمد، نفسه، فيسأل ” الولد رئيس التحرير موجود؟“
الكتابة عن السر قدور، صعبة لكنها ضرورية، من باب الواجب العام تجاه شخصية ملحمية، ومن باب الوفاء لعلاقة خاصة جمعتني به..وهذه كتابات طلقة ومتفرقة عن السر قدور، كما عرفته، مصدرها مؤانسات وحكايات طويلة ورفقة عمل جمعتنا سوية، ومرجعيتها هي ذاكرتي المتعبة التي تحاول تذكر هذه المؤانسات والحكايات.
وأعتذر مبدئياً عن أي خطأ أو خلط، وأتحمَّل وحدي مسؤولية ذلك، وعلی استعداد للتصحيح والمراجعة،
رأيت السر قدور، للمرة الأولى في ميدان روكسي بمصر الجديدة، في النصف الأول من الثمانينات وكنا لا نزال طلبة بالجامعات المصرية. رأيت معه عمر قدور، الذي لم نكن نعرفه، لكن كان الشبه واضحاً، قال لي صديقي الذي يسكن جواره: إن عمر قدور يواصل دراساته العليا ويقيم هنا، بينما يزوره السر قدور، من وقت لآخر، وهو -أيضاً- مقيم بالقاهرة من سنوات طويلة. ثم شاهدته في مرات متفاوتة في وسط البلد مع الفنان صالح الضي.
كنا نعرف السر قدور، شاعراً غنائياً، في تلك الفترة صعدت أغنيته “الشوق والريد” لذاكرة المغنيين والمستمعين، كنا نستمع إليها من صديقنا وزميل دراستنا الراحل عصام كباشي، ابن الشاعر كباشي حسونة، فيما كان عز الدين أحمد المصطفى، الذي يدرس هندسة الطيران هو مرجعنا الفني، فيحدثنا عن السر قدور، وأشعاره العديدة.
مرت الأيام، تخرَّجنا وعدنا للسودان، والتحقنا بالعمل الصحفي.ثم جاءت الإنقاذ فأغلقت الصحف، وصرنا بلا عمل لأننا لم نرغب في العمل في الصحف الحكومية.
وقرَّر ناشر صحيفة الخرطوم الدكتور الباقر أحمد عبد الله، محاولة إصدارها من القاهرة، فحزمنا امتعتنا وتوجهنا إليها في فبراير عام 1993.
كان عدد من زملائنا الصحفيين قد سبقنا بالسفر والإقامة في القاهرة قبل ذلك، بعضهم منذ العام الأول للإنقاذ، وبعضهم بعد ذلك بفترات متفاوتة. كان هناك محمد مصطفى الحسن، إبراهيم علي، عوض أبو طالب، الفاتح عباس، الراحلين معاوية جمال الدين، حيدر طه ووديع خوجلي. وانضموا لفريق عمل الخرطوم منذ اليوم الأول.
سأل رئيس التحرير الأستاذ فضل الله محمد، عن السر قدور، فأجاب زميلنا معاوية جمال الدين، بأنه يعرف مكانه، فكلفه بإجراء حوار معه للأعداد الأولى للصحيفة. عاد معاوية بالحوار وقال مبتسماً: إن السر قدور، حمَّله تحياته “لمراسلنا في مدني”..! ضحك الأستاذ فضل الله، وعرف أن أستاذ السر، غاضب وعاتب عليه، ويريد من خلال الرسالة أن يذكره أنه كان فترة دراسته بالثانوي يراسل الصفحات الفنية في صحف الخرطوم، وكان السر قدور، رقم كبير فيها، وتنشر الأخبار تحت عنوان من مراسلنا في مدني فضل الله محمد.
اتصل الأستاذ فضل الله، في نفس اليوم بالسر قدور، ودعاه لينضم لأسرة الصحيفة، وقد كان… انضم السر قددور، لمكتبنا الكائن في شارع عائشة التيمورية بقاردن سيتي في مارس 1993، ولم نفارقه أو يفارقنا حتى عدنا للخرطوم في فبراير من عام 2001، وظل يراسلنا ويكاتبنا من القاهرة بعد ذلك.
لا يحتاج السر قدور، لِمُقدمات طويلة ليندمج في الناس ويفرض شخصيته وعاداته عليهم، وقد فعل ذلك في مكاتب الخرطوم في أيام قليلة.