حتى لا يتكّرر لقاء أديس..
من غير اللائق ارتكاب المجموعات السياسية التي تُعارض المجلس العسكري خطيئة من ذات الخطايا والأخطاء القاتلة التي ارتُكبت في فترات سابقة، وهي تدويل القضية السودانية، ولا يوجد في ظل التغيير الحادِث في البلاد والحُرّية السياسية المُطلقة المُتاحة الآن، أن يهرَع قادة الحرية والتغيير إلى العواصِم القريبة والبعيدة للاستنصار بها وبالمنظمات الإقليمية والدولية لحل خلافٍ هو في الأساس بين السودانيين أنفسهم، ولن نُبرّئ المجلس العسكري من التساهُل الذي يصل إلى حد التفريط إذا ترك الأمور تسير بهذا الانحدار المُريع في التعامل غير المُنضبِط مع الخارج، فما هو المُبرّر الذي يجعل وفداً من قوى الحرية والتغيير يشُد الرّحال إلى أديس أبابا، ويتم التعامُل معه كوفدٍ رسميٍّ في الاتحاد الإفريقي، ويعقد لقاءات مع رئيس المفوضية الأفريقية وعدد من السفراء ومندوبي الدول الأفريقية في العاصمة أديس أبابا، وقد يلتقي برئيس الوزراء الأثيوبي أيضاً..؟!
أي تدخّلٍ خارجي مهما كان حميداً لا مُبرر له، خاصةً إذا كان الخلاف الداخلي يتعلّق بقضايا حساسة تتعلّق بكيفية المشاركة في إدارة ترتيبات الفترة الانتقالية، وتأسيس الحُكم بشكل وفاقي، هؤلاء ليسوا فصائل مسلحة تُقاتل بالسلاح ويقتضي التعامُل معها بطرق استثنائية تتيح المجال لوساطات خارجية وتدخّلات أجنبية، هؤلاء قوى سياسية ظلت تتفاوض مع المجلس العسكري الذي للأسف الشديد هو الذي أعطاها هذه الشرعية التي تتحرك بها عندما اعترف بها مُمثّلاً وحيداً للشارع والحراك الشعبي، وحصر التعامُل معها دون غيرها، لم يصل الخلاف بين هذه المجموعة السياسية إلى درجة العداء والتقاتُل بالسلاح، كان بينهما كطرفين حوار وتفاوض سياسي داخل القصر الجمهوري، وتم الوصول إلى اتفاق من قبل تم إلغاؤه، ولم يُغلق أمامها باب الحوار، فمن الخطأ وما أفدحه من خطأ، هو تقبّل التحرّكات الإقليمية والدولية للحرية والتغيير في محاولة منها لاستمالة الخارج للضغط على المجلس العسكري حتى تنفرد بالسلطة في السودان وتُسلَّم إليها مقاليد الأمور في البلاد بالكامل..!
هذه التطوّرات الجارية لا تُبشّر بخير على البلاد، وتفتح البابَ على مِصراعيه للاتصالات بالأجانب سواء أكانت سفارات أو منظمات أو الحج إلى منظمات وعواصم، ومن أكبر المثالب والنقائص في حق من يُعارضون بلدانهم أنهم يستسهِلون الاستعانة بالأجانب على أوطانهم، ولا يجدون حرجاً في دفع الفواتير بعد ذلك لمن يُقدّم لهم المساعدة، إذا كانت قوى الحرية والتغيير تعتقد أن اللقاء مع قيادات الاتحاد الأفريقي سيُفيد في الضغط على المجلس العسكري، فما الذي يُمكن أن يفعله الاتحاد الأفريقي في مواجهة السودان بعد قرار تجميد نشاط السودان وعضويته؟ وبأي وسيلة تستطيع المفوضية الأفريقية تسليم السلطة ونقلها إليهم من المجلس العسكري دون انتخابات أو تفويضٍ مباشرٍ من الشعب عبر صناديق الاقتراع…؟
وهنا تبرُز أهمية أن يهتم المجلس العسكري بتسمية وتعيين وإرسال سفراء بصورة عاجِلة للسفارات التي تم فيها إعفاء السفراء المعتمدين، فغياب سفير معتمد عن العاصمة الأثيوبية وغياب صوت السودان منذ إعفاء السفير السابق، تسبَّب بنسبة كبيرة في ما حدث في الاتحاد الأفريقي، لأن الفراغ الذي حدث تحرّكت فيه مجموعات أخرى مُعادية للمجلس العسكري، وكانت تُجري لقاءات في العاصمة الأثيوبية دون عِلم السفارة السودانية، وانفتح المجال أمام مجيء عددٍ كبيرٍ من الناشطين والسفراء السابقين المُعادين للمجلس العسكري ومن الداعمين لقوى الحرية والتغيير لأديس أبابا ليُشاركوا في أكبر حملة سياسية ضد البلاد، حتى تمّ لهُم ما أرادوا بقرار مجلس السلم والأمن الأفريقي بتعليق نشاط السودان.
ندعو المجلس العسكري، وهو قمة السلطة السيادية صاحبة الحق في اختيار وتسمية السفراء، إلى استعجال تعيين وبعث السفراء إلى عواصم مهمة (واشنطون ولندن والقاهرة وأديس أبابا وجنيف وبرلين)، حتى لا نُفاجأ غداً بأن عدم وجود تمثيل بمستوى رفيع واتصالات رسمية على قدر عالٍ، ربما ستنتج عنه أعمال تشبه ما تمّ في أديس أبابا، وأن يستفسر المجلس فوراً رئاسة المفوضية الأفريقية التي استقبَلت وفداً سياسياً في الوقت الذي علّقت فيه عضوية السودان في الاتحاد.