العسكري والحركات.. مياه تجري على النهر..!!
المشهد في السودان منذ حدوث التغيير، يؤكد أن قادة المجلس العسكري الانتقالي يتعاملون مع أزمة الحرب في السودان بجدية تفوق الاهتمام بأي ملف آخر، لأن الحرب هي المجال الوحيد الذي اختبر قدرات العسكريين من الطرف الحكومي والحركات المسلحة وهو المدخل الرئيسي للخطر الخارجي والعقوبات الدولية المفروضة والتي هي سلاح يخنق بلادنا لسنوات زوراً وبهتاناُ، ولذلك باتت الحرب أولوية يجب التخلص منها والسلام أولوية مقدمة على أي جند آخر.
هذه الأيام يتابع الجميع جهود المجلس العسكري الانتقالي في حراك ملف السلام والتفاوض، حيث أشرف الفريق الركن شمس الدين كباشي على ملف المنطقتين بكفاءة ومعرفة، وفي المقابل أشرف الفريق الركن ياسر العطا على ملف دارفور بقدرات ونشاط من شأنه أن يدفع بالملف إلى نقاط اتفاق ينهي حقبة كانت عصية على التجاوز، وفي المقابل كانت القوى السياسية المعارضة تستثمر في هذا الملف، وظل سيفاً ترفعه في وجه أي حكومة وأي نظام، لكن واضح من خلال منبر أبوظبي الذي جمع مجموعة حركات وكذلك مبادرة سلفاكير ميارديت للاتفاق بين المجلس العسكري والحركات المسلحة لكها خطوات تكشف عن حراك كثيف يدور تحت ضوء خافت متوقع يصنع تقدماً في ملف السلام بعدما كان متأخراً.
جهود إقليمية كبيرة ضاغطة تمضي الآن ربما تفضي لأن ترضخ الحركات إلى السلام وتجنح إلى خيار الاستقرار. وهذه النتيجة حال الوصول إليها ستفتح المجال واسعاً إلى تسوية كثير من نتوءات العلاقات والمشكلات الداخلية والخارجية، ومعروف أن قادة الجيش هم الأجدر في ملف التحاور حول قضية الحرب لأنهم خبروها وذاقوا مرارتها منذ الاستقلال وحتى الآن ودماؤهم روت أرض الوطن الذي حرم من خيرات كثيرة بسبب الحرب اللعينة التي ظلت خياراتها مفتوحة على كل الاحتمالات، والشيء الإيجابي في هذه المرحلة أن الفريق شمس الدين كباشي رئيس اللجنة السياسية والمشرف على ملف المنطقتين هو من أبناء جنوب كردفان، ولديه صلات اجتماعية ورحمية كبيرة مع حملة السلاح والمتمردين والفاعلين في الميدان، متوقع أن يقود اتصالات مباشرة مع القادة المؤثرين في المنطقة بما يحمله من ثقة وسطهم يمكن أن بحقق نجاحاً سريعاً في هذا الملف وما يتضمنه من تقديرات سياسية داخلية وخارجية، ربما تقلق الاتفاقات والمعطيات والجديدة اتجاهات ومجموعات أخرى خاصة قوى اليسار الفاعلة داخل الحرية والتغيير التي يتوقع أن تثير سجالات وتحاول وضع المتاريس السياسية لقطع الطريق أمام أي تسوية تحدث في ملف الحرب، وهذا يتطلب النظر إليه من قبل أطراف المعادلة في المجلس العسكري والحركات المتمردة والوسطاء، ولابد من الحذر منه ووضع إيجابات افتراضية لأي أسئلة متوقعة من كل طرف أو جهة تريد عرقلة المسار، سيما أنه بات شبه متفق على تسوية بدأت تلوح في أفق الأزمة السودانية، وحالة من نضوج الوساطات للتفاوض لإنهاء حالة إطالة أمد المشكل السوداني، مما حرك لهجة التصعيد والعنف وسط التغيير التي شرعت في المناورة بكروت جديدة في لهجة المواجهة بعدما استخدام كل الكروت التي آخرها كرت العصيان المدني الفاشل.