عز الدين المصري يكتب :مستقبل السودان في ظل الأزمة السياسة الراهنة
13 مايو2022م
لا يزال الوضع في السودان موسوماً بالفشل السياسي منذ ثلاث سنوات، فحالة اللا دولة مستمرة منذ سقوط نظام الإنقاذ، فالأزمة السياسية الراهنة والتي هي امتداد لأزمات البلاد السياسية منذ 1956 تجدد بين الحين والآخر، ولكن هذه المرة بشكل أكثر تعقيداً تأثرت بها جميع جوانب الحياة المختلفة، فلم يشهد السودان استقرارا منذ سقوط نظام البشير في 11 أبريل 2019م، حيث انخرطت في دوامة من الازمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية التي كان لها أثر على احتلال السودان مراكز متأخرة بالمؤشرات الدولية ذات الصلة بالاستقرار السياسي والأمني، وجعلها يتّجه نحو الدولة الفاشلة في أفريقيا، فرغم حالة التفاعل الإيجابي التي صاحبت سقوط نظام الإنقاذ لتعديل مسار الدولة والتغلب على كافة التحديات التي واجهت السودان في العقود الماضية وظلت متراكمة الى ما بعد الثورة، وبداية التقدم نحو البناء المؤسسي الذي بدأه حمدوك، إلاّ أنّه سرعان ما نشبت الخلافات السياسية في البلاد والتي بدأت بوادرها في الخلافات بين المكونين المدني والعسكري، وتبعتها الخلافات السياسية بين مجموعتي قوى الحرية والتغيير بشأن تقاسم السلطة بينهما، إضافةً الى مطالب أهل الشرق بدافع عدم تلبية الحكومة الانتقالية لمطالبهم، تلك الأوضاع عقدت المشهد السياسي في البلاد ودفع بالجيش الى القيام بحل الحكومة وتعطيل العمل ببعض المواد في الوثيقة الدستورية وإبعاد قوى الحرية والتغيير الجناح المركزي من الحكم، في انقلاب واضح على الحكومة المدنية.. هذه الإجراءات فاقمت من أزمات البلاد وقطع الطريق نحو تحول السودان نحو الديمقراطية والدولة المدنية الذي فرضته ثورة 19 ديسمبر.. وعلى الرغم من مرور ما يقارب السبعة أشهر من تلك الإجراءات، غابت الرؤية لإدارة البلاد صاحبها عجز في تشكيل حكومة جديدة وعدم تنفيذ ما وعد به في خطابه من إكمال بقية مؤسسات الفترة الانتقالية مثل المجلس التشريعي الانتقالي البرلمان والمحكمة الدستورية والمفوضيات المستقلة، كما لم يخطُ خطوة في طريق هيكلة القوات المسلحة وتنفيذ الترتيبات الأمنية الخاصة باتفاقية جوبا للسلام مع الحركات المسلحة، في وقت تستمر فيها تحركات الشارع بعد انتظار طويلٍ، ولا تزال الأزمة السياسية تراوح مكانها في ظل تقديم مبادرات محلية وإقليمية ودولية لتقريب وجهات النظر بين المكونين المدني والعسكري.
وبالنظر الى المشهد العام للبلاد واستمرار الأزمة السياسية وتمسك الجيش بالسلطة وتباعد الرؤى بين القوى السياسية المدنية، تزداد المخاوف من تحول البلاد الى ساحة صراع تتورّط فيها جميع القوى السياسية والحركات المسلحة بمختلف انتماءاتها ومصالحها ومليشيات النظام البائد، نظراً لانتشار السلاح بين أطراف عسكرية متعددة، مما يهدد بأن يتحوّل الاستقرار النسبي في البلاد الى حالة عدم استقرار خاصة في ظل لعبة الأطراف الإقليمية التي تسعى إلى تعزيز نفوذها، الأمر الذي يفاقم من أزمات السودان ويهدد وحدته وتماسكه.
وفي ضوء الأزمة السياسية الراهنة التي وصلت الى مرحلة الانسداد الأفقي، وعلى الرغم من صعوبة الحكم بشأن الاتجاه الذي تسلكه الأزمة بكل تشعباتها خلال الفترة القريبة المقبلة، ستبقى البلاد عالقة بين هذه السيناريوهات.
– السيناريو الأول.. إصرار رئيس المجلس السيادي على اجراءاته وطريقته في الحكم من دون تغيير ومن دون إيجاد حل للمشكلات ودون خُطة واضحة لإخراج البلاد من الأزمة الحالية وما يرجح حدوث هذا السيناريو هو فشل القوى السياسية في الوصول الى أرضية مشتركة في مواجهة الانقلاب مما يجعل من الصعوبة تغيير الوضع الحالي بفعل تعدد الأجندة وغياب الحد الأدنى من التنسيق بين القوى المدنية المختلفة، في حين أن الجانب العسكري رسخ حضوره في السلطة وأصبح يسير نحو تطبيق رؤيتها الهادف الى إبعاد المكون المدني من السلطة، وهو ما يقطع الطريق أمام التحول الديمقراطي، ويعيد انتاج التجارب السابقة والأليمة وقد تفجِّر صراعات أخرى اذا استمر المشهد السياسي على هذا المنوال، فالجروح التي تركتها الحروب السابقة لم تُعالج على نحو دقيق.
– السيناريو الثاني.. يمكن أن تؤدي العملية السياسية التي أطلقتها البعثة الأممية والاتحاد الأفريقي والإيقاد وبعض المبادرات المحلية الى حل الأزمة، لكنها تستغرق ذلك زمناً أطول لأنها غير محكومة بفترة زمنية محدودة، ولأن إقناع الأطراف الرافضة للدخول في المفاوضات يحتاج إلى تقديم ضمانات حول التزام الجميع بنتائج الحوار، ولكن العقبة التي تواجه نجاح هذا السيناريو هو أن أغلب القوى الفاعلة في المشهد السياسي ترفض الدخول في عملية سياسية في ظل بقاء العسكريين الحاليين في السلطة، كما أن عدم استعداد بعض القوى المدنية الدخول في مفاوضات مرة أخرى مع المكون العسكري نتيجة لانعدام الثقة بينهما بعد أن جربا سابقاً انتهت بالفشل، مما أدى الى تبادل الاتّهامات بين الجانبين.
– السيناريو الثالث.. الدعوة لانتخابات مبكرة. في ظل استمرار التشاكس والصراع بين كافة الأطراف في الفترة الانتقالية دون وجود حل سياسي يتم التوافق عليها وعدم تقديم تنازلات بين الطرفين مع ضغط الشارع المُتواصل ورفعه شعار لا تفاوض، لا شراكة، لا شرعية ربما يفتح الباب أمام الدعوة لانتخابات مبكرة كحل سياسي قد تكون ممكناً لتفادي السيناريوهات غير الحميدة التي تكون عواقبها وخيمة على كل الأطراف، ولكن حدوث هذا السيناريو مرهون بتوافق القوى السياسية على هذه الخطوة، إضافةً الى توافر متطلبات أساسية مثل وجود مفوضية للانتخابات وإجراء الإحصاء السكاني ووضع دستور لتنظيم العلاقة بين السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية وتحقيق السلام والاستقرار والأمن وتحسين الأوضاع الاقتصادية، هذا السيناريو على الرغم من التلويح به من قِبل الجانب العسكري وبعض الأطراف الخارجية، لكن في ظل هذه التعقيدات التي تشهدها المشهد السياسي الداخلي يصعب حدوثها، ولكن سيبقى احتمال الرجوع اليها وارداً.
عز الدين المصري
باحث في الشؤون الاستراتيجية