صلاح الدين عووضة يكتب : بيت الأدب!!
10 مايو 2022م
ولنرجع للوراء..
أو فلنبدأ بفلاش باك… إلى أيام (الدستور)..
ليس دستور السودان الذي يُوضع – كل مرة – (تحفةً) جميلة على رف تاريخنا..
ثم لا يُنفض عنه الغبار إلا حين توشك (الولاية) على الانقضاء..
ولاية أي رئيس شمولي حكم البلاد..
وذلك من أجل (مصلحة البلاد العليا)… ثم يُعاد إلى الرف… (زينة وعاجباني)..
وإنما أعني دورية (الدستور) التي رأست تحريرها حيناً..
كانت مجلةً أسبوعية… فجعلناها الجريدة المجلة… لتصدر يومياً في (16) صفحة..
وسعرها كان ضعف سعر الصحيفة آنذاك..
ورغم ذلك كان متوسط توزيعها اليومي نحو (2500) في العاصمة؛ دون الولايات..
وكالعادة حُورب ناشرها محجوب عروة؛ فاحتجبت..
وكان من بين أفراد طاقمها (الفنان) الرائع محمد الحلو؛ وهاجر إلى فرنسا..
كنا نعقد جلسة تفاكر يومية؛ هو بريشته… وأنا بفكرتي..
فيتمخض عن ذلك كاريكاتور ساخر؛ يحتل موقعه أعلى يسار الصفحة الأولى..
ونهار يوم رأينا أن نجسد ظاهرة العرب الصوتية؛ رسماً..
كان ضجيج الصوت – يومها – من القوة بحيث لفت انتباهنا إلى (براميل فارغة)..
إلى جعجعة التي لا نرى لها طحناً أبداً على أرض فلسطين..
إلى الصراخ الذي ينطلق بحده (الأقصى) – منذ سبعين عاماً – صوب (الأقصى)..
ثم يتلاشى في الهواء حتى قبل أن يتجاوز حدود إسرائيل..
فكانت الفكرة: عربي خلف منصة… عليها ميكروفونات… أمامه سياج الحدود..
ومن وراء السلك الشائك يهودي… وعلى مقربة منه حمام..
أو كما يسميه البعض (بيت أدب)..
وتندلق من المنصة ورقة طويلة تتمدد… وتتلوى… وتتكور تحت قدمي اليهودي..
واليهودي ينتظر بفارغ الصبر؛ وبيده مقص..
ثم يقطع جانباً من هذا (الأدب) الغزير؛ ويتوجه به إلى (بيت الأدب) القريب..
وهذا (أقصى) ما يفعله العرب؛ تجاه القدس… و(الأقصى)..
والبارحة رأيت رسماً كاريكاتورياً ساخراً ذكَّرني برسمنا هذا؛ وأيام (الدستور)..
فالعربي يقف أمام اليهودي فاغراً فاه للحد (الأقصى)..
ويصيح بقضية (الأقصى)؛ واليهودي يضع مسطرة على فمه يقيس بها اتساعه..
ثم يقول ساخراً: أهذا (أقصى) ما لديك؟..
بل هو أقصى ما لدى العرب عامةً… سواءً حيال الأقصى… أو أي قضية أخرى..
فقد اشتهروا بأدب الخطابة؛ الذي مصيره بيوت أدب اليهود..
يبددون وقتهم في الكلام؛ بينما تبدده إسرائيل في العمل… والعلم..
فهذه الدويلة تخصص للتعليم ما يعادل كل الذي يصرفه حكام العرب على أمنهم..
فتأمين كراسيهم السلطوية هو كل ما يهمهم..
أما التعليم فلا يصرفون عليه إلا ما يساوي بضعاً في المئة من ميزانيات دولهم..
ولذلك تسخر إسرائيل من العرب بعبارتها الشهيرة..
وهي: العرب لا يقرأون… فإن قرأوا لا يفهمون… فإن فهموا لا يعملون..
ولكنهم يفهمون جيداً في (الأدب) الذي يجيدونه..
(أدب) الصراخ بالصوت (الأقصى)..
في أجهزة الإعلام… ومن على المنابر… وأمام ميكروفونات ذات صوتٍ (أقصى)..
ليس لفائدة بيت القدس… أو الأقصى… وإنما لفائدة بيتٍ آخر..
بيت الأدب!!.