9 مايو 2022م
صادفني منزعجاً..
قال إن صغيره (حودة) لا يميل إلى ما يميل له الأطفال في عمره؛ بل هو للبنات أقرب..
فهو يعشق ألعابهن… ويكره ألعاب الصبيان..
وعلى رأس قائمة هذا الذي يمقته بشدة – لدرجة الفوبيا – لُعبات السلاح بأنواعها كافة..
وحكى كيف إنه اشترى له بندقية… واجتهد في أن يجعله يحبها..
وبعد يومين رآها عند أحد أطفال الجيران يلهو بها؛ ويخيف بها أقرانه… بمن فيهم ابنه..
فقد أهداها له ولده هذا كيما يرتاح من ضغط والده عليه..
فضحكتُ حتى تمنيت أنْ لو كان بمقدوري أن أقول: حتى بانت نواجذي؛ لدواعٍ جمالية..
وأعني جمالية لغوية… ولكن قبح الواقع يحول دون ذلك..
وبعد فراغي من ضحكٍ مؤلم لعضلات الفم – وأعصابه – قلت له: موضوع بسيط جداً..
وشرحت له بساطته من واقع تجربةٍ شخصية..
فقد كنت في مثل عمر ولده هذا بمنطقة نوري – الباجور – حيث كان يعمل الوالد آنذاك..
وحين أخرجُ للعب بجوار الترعة أشاهد الكرّاكة..
فيتملّكني رعبٌ لا أدري معه كيف أمكنني الرجوع للبيت بسرعة صاروخٍ صيني تائه..
أما ما الذي يرعبني؟… فهو شيء مثل الذي يرعب ابن محدثي..
فأنا لم أكن أنظر للذي يرعبني ذاك كجرافة… بل كوحشٍ حي له عنق طويل وعينان مخيفتان..
وعنق الكرّاكة – الحديدي – معروف..
والعينان هما بكرتا الجنازير – على جانبي الرأس – التي تمسك بمغرفةٍ تتدلى في الترعة..
ورأس الجرافة يشبه رأس حشرة اليعسوب..
وعندما يتحرك الوحش على جانب الترعة لنظافتها من الطمي أحسبها تهرول نحوي..
وعجز أهل البيت عن نزع فوبيا الكرّاكة من دواخلي..
فقد كنت أصر على أنها كائنٌ ذو روح يستهدفني لسبب كامنٍ في رأسه اليعسوبي الصغير..
وفي مصادفةٍ عجيبة، اكتشفت أن مخاوفي تلك تم تجسيدها سينمائياً..
فقد شاهدت – وأنا كبير – فيلماً أبطاله مجموعة من الكرّاكات… تتقمصها أرواحٌ تحركها..
وليست حركة عشوائية…وإنما استهدافية..
فقد كانت تنطلق كلها – جماعياً – لتهاجم أناساً فور أن يصيروا في دائرة استشعارها..
وعينا كلّ من هذه الوحوش هما فانوساه… حين يُضيئان..
وأشعرني الفيلم – أقول لمحدثي – براحةٍ نفسية إذ أدركت أنني كنت أتمتع بخيالٍ فنان..
فضحك والد (حودة)… دون أن تبدو نواجذه أيضاً..
وبدا لي أن تجربتي هذه أزالت كثيراً مما في نفسه من مخاوف جراء خوف ولده حودة..
ورغم ذلك سألني: وماذا إن كبر معه خوفه هذا؟..
قلت له: لا خوف كذلك… بل ستكون هنالك جوانب إيجابية مع رهابه هذا حيال البندقية..
مثل الجانب الإيجابي الذي أفرزه خوفي من الكرّاكة..
وهو أنني لعلى ثقة بأن حياتي لن تكون نهايتها على يد – أقصد على عنق – جرافةٍ أبداً..
رغم إنه ما من جرافات نظافة أصلاً في زماننا هذا..
ولكن بافتراض ظهورها فإنني سأتحاشى طريقها كما كان الشيطان يتحاشى طريق عمر..
طيب وما الجانب الإيجابي في خوف ابني من البندقية؟… سألني..
الجانب الإيجابي – قلت له – إن ابنك لن يجترح جريمة إزهاق روح بريئة ما دام حياً..
سواءً روح معتصم… أو روح متظاهر..
فواحدة من آفات زماننا هذا بشرٌ تتقمصهم أرواحٌ مثل تلك التي تقمصت كرّاكات الفيلم..
بل لعلها آفات كل زمان… ومكان..
منذ ما بعد الزمان الذي قالت فيه الملائكة (أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء)..
وبيد كلٍّ منهم وحشٌ يسفك به الدماء… ولا يبالي..
أما ابنك هذا – قلت له – فسيكون سلاحه بندق صوت… أو بندق فلِّين… أو بندق بحر..
وحتى بافتراض أنه (تأنَّث) كثيراً فلن يغدو أنثى..
فالحد الذي سيبلغه – تأنيثاَ – هو إضافة مفردة بندق إلى اسمه… فيصير شبيه المغني ذاك..
المغني الذي يغني (هيا الحياة مش سالكة ليه؟)..
رغم أن الحياة سلكت معه في السكة التي اختارها… لدرجة أن معجبيه ما عادوا يتبينون..
ما عادوا يتبينون الخيط الأبيض من الخيط الأسود من فجر جنسه..
وربما تسلك – أيضاً – مع حودة هذا… فيصبح كحودة ذاك..
حودة بندق!!.