منى أبو زيد تكتب : “خطوبة نفيسة”..!
9 مايو 2022م
“قد يؤدي بنا الحب إلى النار أو الجنة لكنه يؤدي بنا حتماً إلى مكان ما”.. باولو كوليو..!
(1)
– حبوبة.. موبايلك بـيرن..!
– ……….!
– إنت نمت واللّا شنو يا حبوبة..؟!
– خلاص يا مازن.. شكراً ليك..!
راقبت الحاجة “نفيسة” حفيدها وهو يبتعد بابتسامة باهتة قبل أن تلقي نظرة مُرتبكة مُتردِّدة على الموبايل الذي كان يتململ على سطح طاولة القهوة في اهتزازات رتيبة مُتلاحقة. ماذا تقول لحفيدها الذي كان مُندهشاً من تجاهلها لرنين الموبايل؟. هل تخبره بأنّ جدته لا تجيب على رنين هاتفها لأنها تعلم أنّ المُتّصل هو حبيبها القديم العائد بعد طول غياب..؟!
(2)
حسن يتصل بك.. حسن يتصل بك..!
إلحاح الاسم المتقافز على الشاشة المُضيئة، أفقد الحاجة “نفيسة” رباطة جأشها فأمسكت بالموبايل بحركة عصبية وضغطت على زر الإجابة بإصبع مُرتجفة، قبل أن تقول بلهجة حاولت أن تحمِّلها أكبر قدر من الصرامة والحسم:
– وبعدين معاك يا حسن..؟!
– قولي لي مُوافقة أتزوجك..!
– يا حسن إنت ما بتزهج.. إنت داير تَفرِّج علينا الناس.. إنت العيشة في أوروبا تلاتين سنة سوتك خواجة رسمي واللّا شنو..؟!
– خواجة ما خواجة.. أنا حأمشي لأحمد ولدك وأطلب إيدك منُّو..!
وضعت الحاجة “نفيسة” رأسها بين يديها وانخرطت في نوبة بكاء طويلة. لم يكن السبب في بكائها هو خوفها من ردة فعل ابنها، إذ يُمكنها ببساطة أن تتصنّع الاستنكار، أن تشيح بوجهها في ازدراء إذا ما جاء ابنها وأخبرها بالأمر غاضباً ومُندِّداً ببجاحة جارهم الكهل المُتفرنج الذي يظن نفسه في أوروبا، بل كانت تبكي حالها، تبكي نفسها لأنّها تعرف بأنّها تريد بل تتمنّى أن يحدث هذا الذي يراه الناس من حولها عيباً كبيراً وأمراً مُستحيلاً وغير قابل للتفكير. كانت تبكي إرادة قلبها الذي ناقش عقلها بجرأة وإصرار بشأن حقها في الحياة. لا أحدٌ يعترف بحق المرأة التي تتجاوز الستين في الحب والزواج، لا أحدٌ يُصدِّق أن أنوثتها لم تذهب مع ريح الزمن. زواج الأرملة التي أصبح أبناؤها رجالاً جريمة أخلاقية في عُرف المُجتمع حتى وإن كانت لا تزال صغيرة وجميلة فكيف بالأرمل الستينية..؟!
(3)
بكت الحاجة “نفيسة” كثيراً وطويلاً في عزلتها المُوحشة، بكت حُزناً على حالها وخوفاً من أبنائها وأحفادها الذين ينعمون بدفء حياتهم بعيداً عنها ويتكرّمون بزيارتها كل يوم جمعة وهم ينظرون في ساعاتهم غير عابئين بوحدتها التي يعتبرونها أمراً مسلماً به. لكنهم حتماً سوف يسلقونها بألسنتهم إذا ما هي فكّرت في أن تستأنس بشريكٍ يُبدِّد وحشتها. كانت تشعر بخوفٍ، بل رعب حقيقي وهي تتخيّل عيني ابنها البكر الذي أصبح زوجاً وأباً وهو ينظر إليها بازدراءٍ واستنكارٍ. لن تحتمل غضب أبنائها ولا خجل بناتها الذين كان أبوهم رجلاً صالحاً لم يتوقّف يوماً عن الثناء على جمالها الباهر ولم يدّخر شيئاً لإسعادها، لكنها لم تنس يوماً حُبها القديم رغم حياتها الحافلة بالزوج والأولاد والأحفاد. لقد استطاعت الحاجة “نفيسة” أن تصنع لأسرتها صورةً مصقولةً نقيّةً أمام الناس ساعدتها على احتمال الحياة بدون “حسن”، لكنها لن تحتمل الحياة معه بصورة شائهة مكسورة في عيون ذات الناس..!
(4)
– آلو.. أسمعني يا حسن.. خلِّيني أقول ليك الكلمتين ديل.. لو مشيت لي ولدي وقلت ليهو الكلام “الشين” دا أنا بطفش من البيت وأخلي ليك البلد..!
أغلقت الحاجة “نفيسة” الخط في وجه توسُّلات “حسن” ثم ارتمت على الكرسي وأغمضت عينيها وهي تبكي انتصار عقلها “الحسَّاب” على قلبها “الوثَّاب” في معركة السترة والفضيحة “المُتباريات. أغلقت عينيها وهي تبكي ظُلم مُجتمع يُعتبر بلوغ المرأة سن الستين وقوفاً على أعتاب النهاية..!