يبدو أن تجمع المهنيين وقوى إعلان الحرية والتغيير لا تنقضي عجائبهما المحفزة لتنشيط عزلتهما في الوسط السوداني بأفعال وأقوال محيرة ولا تتوخى رغم نصاعة الشعارات المرفوعة إلا الكسب الخاص بتلك الفئة من خلال مد مساحات الضغط على الرأي العام وعامة المواطنين قبل المجلس العسكري الانتقالي؛ وليس أدل من هذا من حديث أحدهم وأظنه للمفارقة من مهنيي التعليم دعا وتشدد في رفض بدء العام الدراسي للتعليم العام ومرحلتي الأساس والثانوي في موعده المعلن نهاية هذا الشهر، وهو ما يعني إفساد وضياع عام دراسي للتلاميذ وأسرهم وأهل التعليم ليضاف الأمر لإهدار عام دراسي للجامعات ــ أو أغلبها ـ لا يدري أحد حتى الآن على وجه الدقة كيفية جبر ضرره والدفعات التي التحقت بالتعليم العالي لحقت بها في التنسيب والإضافة دفعات أخرى تأهلت بموجب نتائج الشهادة السودانية التي أعلنت أمس الأول!
قيادي المهنيين لم يخجل من أنانيته المفرطة ورؤية نظره المختلة ليقول أن لا بدء لعام دراسي، إلا بقيام حكومة (مدنييياو) وتسليم السلطة من العسكريين؛ ثم بلع ريقه ليقول بكذبة جهيرة متذرعاً بالتلطف أن مظاهر التحشيد العسكري قد تخيف التلاميذ الصغار وتؤثر على حالتهم النفسية؛ هذا الكذاب الأشر ناقض نفسه، لأن جماعته حينما كانت تسد الطرق بالمتاريس وتشعل الإطارات بالنيران وتسقط لافتات الإعلانات وتمنع مرور حتى المرضى، وتجبر من ينقل جنازة على البحث عن منافذ لبلوغ المقابر، صمت وربما بارك دون النظر للأضرار التي طالت الأرواح وممتلكات المواطنين، وفاقمت عذاباتهم رغم أنهم ليسوا أعضاء بالمجلس العسكري، ولا شأن لهم باللجنة الأمنية وليسوا وزراء في حكومة الإنقاذ أو ولاة لتتنزل عليهم حمم التصعيد الثوري!
انظر كذلك رعاك الله لكتلة الغباء في التبرير والاشتراط بشأن الربط بين تسليم السلطة مقابل بدء العام الدراسي؟ هل هذا تفكير شخص مسؤول أو له ذرة عقل ! ما دخل حق تلميذ في بدء عامه الدراسي وخلاف سياسي أو مشكلة بين قوى الحرية والتغيير والعسكري أو حركة يونتيا أو التراس الهلال والمريخ، ليقترح قائد بالمهنيين مقايضة العام الدراسي بسلطة مدنية أو أياً كان اسمها ! هذا موقف تتجسد فيه كل صفات القبح وسوء تقدير الوضع، بل إنه موقف يجب أن يردع بثورة الرأي العام، وحتى الإجراءات القانونية الحافظة لحقوق المواطنين وليذهب الداعي وجماعته للجحيم.
هذا الموقف إشارة ودليل كذلك على نوع الأيام المنتظرة للسودانيين إن خلص الحكم لهذه الفئة غير المسؤولة والمناهضة لصالح وحقوق الآخرين؛ إذ سيكون على الناس في كل مطالبات وأزمات مواجهة مثل تلك القرارات الغبية فقد يعلق عام دراسي، لأن فصيلاً اختلف مع آخر، وقد تعطل مصالح التجارة لأن عراكاً نشب بين وزير ونقابة، وقد تمنع خدمات المستشفيات لأن بياناً ألقي في المجلس التشريعي لم يرض عنه حزب أو كتلة ! وستعود البلاد لفوضى التجاذبات الممزقة للمصالح الجماعية وحقوق المواطنين لتكرر تجارب أيام ما بعد انتفاضة أبريل 1985 وما تلاها من شجارات وخلافات انصرافية
موقف الجهة الثورية ــ إن استحقت هذه الصفة ــ المهدد للعام الدراسي وفتح المدارس موقف مشين وفضيحة يحول المدارس إلى ساحات جريمة احتجاز رهائن لأغراض سياسية.