رغم حالة الحزن التي تنتابني هذه الأيام وأنا أفكر في كتابة مقال عن العيد يبعث الفرح ويجعل الأمل يشدو مبتهجاً ومتيقظاً للقادم، فنشرت النص التالي على صفحتي (الجديدة لنج) بالفيسبوك وبعض قروبات الواتساب التي أحبها:-
(اتحفونا بالأغاني والأشعار التي وردت فيها مفردة (العيد) مرتبطة بحالة الحزن أو الفرح….)
وكنت أمني نفسي بنصوص مبهجة تبعث الأمل وتدعو لغدٍ أفضل (وبكرة أحلى) فانهمر علي سيل من البكائيات… فهل نحن شعب باكٍ وحزين؟؟ لا أدري… ولماذا لا أدري؟؟ لا أدري
أشهر بيت شعر ارتبط بمفردة العيد بلا أدنى شك هو قول المتنبئ الشهير:
عيدٌ بِأَيَّةِ حالٍ عُدتَ يا عيدُ
بِما مَضى أَم بِأَمرٍ فيكَ تَجديدُ
أَمّا الأَحِبَّةُ فَالبَيداءُ دونَهُمُ
فَلَيتَ دونَكَ بيداً دونَها بيدُ
وردت الأبيات في قصيدة طويلة يبكي فيها المتنبئ حاله وحنقه على كافور الاخشيدي عندما لم يجد مراده عند كافور
حوت القصيدة أيضاً أبيات غارقة في العنصرية البغيضة (المرتبطة بأحوال تلك الفترة)
ويعود علينا العيد في السودان بحالة مشابهة ونحن نسترجع ذكرى فض الاعتصام الحزينة بل حتى في عنصرية المتنبئ ورفضه للآخر (وهذا حديث ربما لا يعجب البعض) لكن النص فرضته ظروف المكان والزمان والحالة النفسية للشاعر وهو يقول:
العَبدُ لَيسَ لِحُرٍّ صالِحٍ بِأَخٍ
لَو أَنَّهُ في ثِيابِ الحُرِّ مَولودُ
لا تَشتَرِ العَبدَ إِلّا وَالعَصا مَعَهُ
إِنَّ العَبيدَ لَأَنجاسٌ مَناكيدُ
هذه العنصرية البغيضة التي أشعل نيرانها في السودان من يسمى (رئيس دولة) بمساحة مليون ميل مربع متعدٍّد الألوان والأديان والاثنيات المختلفة وحاضنة الرئيس من كيان الإخوان المسلمين والمؤتمر الوطني تضحك مبتهجة من تعليقه الشهير على حالات الاغتصاب في حرب دارفور بقوله (………) الذي نعف عن ذكره والذي استغله (الترابي) وشهّر (بالعسكري الفراق) الرئيس برتبة (المشير) الذي نصبه الترابي رئيساً وذهب هو للسجن حبيساً أو كما قال أيما تشهير.
يعود علينا العيد وهناك جهات تعمل بجدية وصرف بذخي لتأجيج صراعات القبائل والعودة بنا للوراء مائة عام
لعل أشهر الأغنيات السودانية التي تم ذكر العيد فيها كانت غالباً مرتبطة بحالات حزن وفراق للحبيبة أو الوطن
نجد مثلا أن أغنية أحمد المصطفى (لاحت بشاير العيد) قد ترجمت قول المتنبئ بشئ من البساطة ولحن مميز:
لاحت بشاير العيد وأنا الوحيد حيران
هل لي فيهو جديد ينسيني ما قد كان
وتظل أغنية أحمد المصطفى متمسِّكة بالأمل في تغير الأحوال وحدوث ما يسعده بقوله:-
(هل لي فيهو جديد ينسيني ما قد كان)
ثم يردد بأريحية عالية
ده يبقى يوم عيدي
ده يبقى يوم عيدي
ده يبقى يوم عيدي
وليت ذلك يحدث مع شعبنا البطل وننسى (ما قد كان) في بلادنا وسياساتها العرجاء وساستها الخُرقاء والعسكر غير المتهمون بقسمهم العظيم ومهمتهم ومهامهم والمليشيات المسلحة والحركات المسلحة وأصحاب المصالح والأحزاب التي تنظر تحت أقدامها
لقد فقدنا حكومة حمدوك المدنية الأولى على علاتها المقدور على معالجتها ورضينا بالتنازلات في الحكومة الثانية وما تبعها بعد ذلك من خروقات ليتنا نسمع عن حدث يجعلنا نردد مع أحمد المصطفى:
ده يبقى يوم عيدي
ده يبقى يوم عيدي
ده يبقى يوم عيدي
أو نردد مع الفنان الذري إبراهيم في أغنيته الباسمة السعيدة:
يا عيد تعود بالخير علينا سعيد
لو أتى العيد القادم بفرحة كبيرة وتغيير ومدنية راقية ومسؤولة
كما ذكرت سابقاً فالأغاني السودانية التي وردت بها مفردة العيد أو معظمها مرتبطة بالحزن والألم مثل بكاء زيدان إبراهيم:
عدت يا عيدي بدون زهور
وين سمرنا ويين البدور
غابوا عني
وها هو العيد يعود بلا كل ما تغني به زيدان… ولا أدري لماذا تلازمنا حالات حزن كبيرة في السودان وعميقة وفي كل مجالات حياتنا السياسية والاقتصادية وحتى الاجتماعية ومعظم قصص الحب عندنا لا تصل للنهائيات السعيدة فتولد مثل هذه البكائيات
هناك حالة لوم كبيرة ورجاء وارتقاب خلقت حالة من الحزن مرتبطة بالعيد حيث تغنى محمد الأمين في أغنيته الشهيرة (شال النوار) العيد الجاب الناس لينا ما جابك:
ونعاين الشارع نلقاهو تايه بدموع المغلوبين
العيد الجاب الناس لينا ما جابك
يعنى نسيتنا خلاص
مع انك انتا الخليتنا نغنى الحب ذكرى وإخلاص
صبحت دمعتنا وسادتنا
كدا حاول أعرف لينا خلاص
وحقاً الآن الشارع تايه بدموع المغلوبين وغارق بدماء الشهداء ولا ندري (إلى أين يسوقنا هؤلاء)
وكما جاء في النص أعلاه (صبحت دمعتنا وسادتنا) ونحن نعاني القتل والموت والمرض والفقر والعوز والغلاء وترقب الخلاص هو الأمل
ولا أر لمن نوجه هذا السؤال وليس الرجاء (كدي حاول أعرف لينا خلاص؟؟؟) لأن الأمر كل يوم يزداد تعقيداً
صديقنا دكتور الجرقندي عندما طالع سؤالي عن النصوص الغنائية المرتبطة بمفردة العيد ارتجل نصاً مفرحاً ومبتهجاً بالعيد وقام بتلحينه وتغنى به لنا في قروب (سمار البادية والقافية) أتمنى أن يكمله ويعطيه بعض الوقت ليمتعنا بأغنية مفرحة وراقصة مبهجة.
قبل الختام اترحم على روح صهري (مولانا محمد عبد الرحيم صباحي) الذي نفقده في هذا العيد وعلى وجه الخصوص أحفاده وبصفة خاصة الصغيرة المدللة (سمورة) كما كان يحلو له أن يناديها ويحضنها بحب منقطع النظير..
ونسأل الله لك الجنة وأن ينعم أحفادك بوطن الخير والجمال الذي كنت تنشده وتتمناه وأن يحيوا مثلك في العفاف ونظافة اليد واللسان.
وأظن أن الأكثر مناسبة لختام هذا المقال هو أغنية الطنبور الحزينة للرائع محمد جبارة:
أسباب أساي وسر بكاي العيد يمر
للناس فرح ولي ترح من حالي كُر
الناس تقوم تمرق تحوم قبل الفجر
بين هاش وباش أنا دمعي راش لازم الصبر
الطير نضم رش النغم فوق التمر
شوف يا رفيق كم بي ضيق العيد فقر
وسلامتك يا بلد