شملت إحالات ترقيات .. المنظومة الشرطية ما بين الإصلاح والتماسك
الخرطوم: آثار كامل 28 ابريل 2022م
عقب قيام ثورة ديسمبر المجيدة, أطلقت القوات الشرطية نداءات للإصلاح الشامل, أُسوةً بالمؤسسات التي نادت بالإصلاح، فهي كذلك بدأت تطلق صوتها للعلن، مُطالبةً ببناء شرطة مهنية قوية، تكون هي الأساس الذي تُبنى عليه دولة القانون المدنية والعدالة، وكان مطلبهم الأسمى قيام شرطة قومية مهنية مُستقلة خالية من المُحاصصة الحزبية والجهوية، وتحسين الوضع المعيشي، وتوفير الحماية القانونية، وتحقيق العدالة أيّاً كان شكلها، ومُحاربة الفساد بشتى أنواعه ومُحاربة المحسوبية، والمُحافظة على هيبة الدولة دماً ومالاً وعرضاً، كما نصّ الدستور والقانون، شرطة مهنية تكون أساساً لدولة القانون لتتزامن مع المُتغيِّرات الكبيرة التي تشهدها البلاد ونجد منذ ديسمبر 2019 شَغلَ منصب مدير عام الشرطة ستة من القيادات، وهذا رقم قياسي لا أعتقد أنه حدث في تاريخ العالم، هذا التغيير المستمر استلزم ترتيبات متواصلة أثرت على كيان الشرطة وحرمته من وجود كوادر وتواصل أجيال ونقل خبرات بالضرورة, الأمر الذي سيؤثر كذلك على أداء الشرطة في المرحلة القادمة أحدثت تغييرات في المديرين والنواب والمديرين العامين, ولعل آخر ما تم في عهد رئيس الوزراء السابق د. عبد الله حمدوك هو إقالته لمدير عام الشرطة خالد مهدي إبراهيم ونائبه الصادق علي إبراهيم من منصبيهما, على خلفية بعض الأحداث الخاصة بالمُظاهرات الأخيرة, وفي نهاية نوفمبر من العام الماضي أعلن بيانٌ لحكومة رئيس الوزراء السابق عبد الله حمدوك تعيين الفريق عنان حامد مديراً للشرطة واللواء مدثر عبد الرحمن نائباً له, ونجد بأن الأخير منذ تسلمه منصب المدير العام اتخذ بعض الإجراءات وعمل على بعض التغيير داخل المنظومة الشرطية من إحالات وترقيات وتنقلات, آخرها كانت بعض الإحالات والتنقلات والترقيات قبل يومين.
النزيف المُستمر
لا بد من الإقرار بأن جهاز الشرطة يوجد به عزوف عن العمل بجانب النزيف المُستمر للخبرات والكفاءات بعدم التجديد مرةً أخرى أو بطلبات خلو الطرف لمُغادرة المهنة في ظل الظروف الاقتصادية المعلومة للكافة والتي يعاني من أزمتها الجميع, إلا أن الشرطة تقوم بالمهام الجسام في ظل تشغيل ضاغط وتواجد دائم ومستمر, ورغم ذلك فإنها تعمل جاهدةً لتحقيق الأمن الإنساني والمتمثل في السلم المجتمعي والتماسُك الاجتماعي, عثرات وتحديات كثيرة تُواجه قوات الشرطة منها المُواصلة في تحسين شروط الخدمة وكيفية توفير الإمكانَات اللازمة التي تُعين في تحسينها وتوفر الحماية القانونية في ظل المُطالبة بتعديل القانون, الكثير من النقاط تمثل دافعاً قوياً أمام الشرطي للتخلي عن الوظيفة, إن سفينة الشرطة تبحر نحو عوالم واضحة وقفزت على رأسها مؤخراً قيادات يعول عليها الكثيرون لإدارة هذه المُؤسّسة والخُرُوج بالشرطة من المَأزق الذي وضعت فيه وإصلاحها بما يخدم الشرطي أولاً, ونجد أنّ الإصلاحات التي تمّت وإن لم تكن شافية, ولكن ما زال التعويل على المَزِيد دليلاً على حُسن النية بنقل الشرطة لحال أفضل, ولحاق ما تبقى من وقتٍ لمُعالجة الأمر ووضعها في نصابها الصحيح.
رؤية شاملة
يرى عميد شرطة معاش في حديثه بأن جهاز الشرطة يحتاج الى إصلاح جوهري ووضع رؤية شاملة, ولكن ليس بالطريقة التي يعمل بها مدير الشرطة عنان الآن, وهي استخراج كشف كل يومين من يريد الإصلاح عليه وضع رؤية قبل ذلك حتي تتمكن القوة الشرطية من تقديم ما لديها من خبرات ولفت في حديثه لـ(الصيحة) بأن الشرطة هي أحد أذرع إنفاذ القانون وإحدى مؤسسات الدولة ولا بد لبناء شرطة قومية مهنية مستقلة، ومنح الثقة للشرطي لتنفيذ القانون على الكل وتحقيق العدالة أياً كان شكلها ومحاربة الفساد والمحافظة على هيبة الدولة التي تعتمد في المقام الأول على منح الحماية القانونية لمنسوبي الشرطة وفق القانون.
رأس الرمح
قال الخبير في الشؤون الشرطية طارق الحسن لـ(الصيحة), إن الشرطة كجهاز مُهم جداً في ظل الوضع الحالي، ولكن يحتاج الى استراتيجية جديدة في ظل محاولة لشيطنة الشرطة باعتبارها جهازاً قومياً مهنياً جديراً بالدعم والمساندة، ولفت بأن للشرطة أهمية في هذا التوقيت المهم في ظل وضع أمني يعاني الهشاشة, مضيفاً بأن الشرطة ظلت تدفع فاتورة التغيير الذي طرأ على البلاد منذ اندلاع الثورة، منوهاً بأن في الفترة الأخيرة نزفت الشرطة الكثير من القيادات في تصفيات مستمرة أنتجها وضع ملغوم ومرتبك فقدت رصيداً مهماً من خيرة كوادرها وأبنائها في سباق تسوية الصفوف بعد الإعفاءات المُستمرة ومُحاولات حفظ التراتبية, مضيفاً بأننا في مرحلة حساسة جداً لا بد أن تضبط التصرفات السليمة، ولا بد من تأهيل المنظومة الشرطية، وتحقيق شعار (العين الساهرة واليد الأمينة)، ولا بد للقيادة الجديدة من تحقيق ذلك لأنّ الشرطة تمثل رأس الرمح في العملية الأمنية.
قابضة على الجمر
يقول الخبير الأمني والاستراتيجي الفريق عثمان عبد الله لـ(الصيحة), إن الشرطة تعمل وفق قانون الشرطة في الإدارات المُختلفة، ووفق الضوابط في إطار القانون، وهناك قانونٌ منح الشرطي حصانة إجرائية للقيام بواجبه في حفظ الأمن، ولفت إلى أن الشرطة مخول لها حفظ أمن المواطن، ولكن رغم الضغوط المعيشية والنفسية ما زالت تقوم بواجبها، وقابضة على الجمر, منبهاً إلى أنّ هناك استغلالاً من ضعاف النفوس لخلق مزيد من البلبلة عبر الإضرابات، مشيراً إلى أن الوضع المعيشي سَيئٌ، ويُعاني منه الكثيرون، ولكن للقوات الأمنية أولوية، حيث لا يتحقّق رخاء المعيشة دون توافر الأمن, لافتاً بأنّه لا بد من خلق توازن لإصلاح المنظومة الشرطية وتماسكها خصوصاً بعد عزوف الكثيرين عن العمل, بجانب الإجراءات التي تمت مؤخراً من قبل المدير العام.