الخرطوم: نجدة بشارة 27 ابريل 2022م
في خطوة مفاجئة، وبعد تسع سنوات من المباحثات الثلاثية المتعثرة بين (السودان، مصر وإثيوبيا)، وبعد تعمق أزمة سد النهضة، أعربت الصين مؤخراً عن رغبتها في التوسُّط لحل الخلاف الثلاثي، ومعلوم أن ثلاثي الأزمة حلفاء رئيسيون لبكين، ويمكنها استخدام نفوذها الدبلوماسي، الاستثماري، والاقتصادي للمساعدة في تخفيف التوترات، وإيجاد حل دائم للنزاع، إضافةً الى لعب دور رئيسي في محادثات الوساطة التي تجرى برعاية الاتحاد الأفريقي، وكشف موقع أوراسيا البحثي، عن قمة ثلاثية مرتقبة بين (السودان، مصر وإثيوبيا) برعاية الصين وبشأن قضية سد النهضة. وترجمت صحيفة (اليوم التالي) نقلاً عن الموقع البحثي ان الصين استثمرت انشغال الغرب بالحرب الأوكرانية، والتراخي الدبلوماسي الأمريكي في القارة فسعى لتمتين مصالحها الاقتصادية الممتدة، وأشار إلى أنها تعمل على استخدام نفوذها في الدول الثلاث (السودان، إثيوبيا ومصر)، للتوصل الى حل يرضي جميع الأطراف في الملف.
في المقابل، أثار التدخل الصيني ردود فعل وسط المتابعين على منصات السوشيال ميديا، وتساءلوا عن دوافع الصين للتوسُّط في ملف الأزمة؟ لا سيّما وأن الصين ظلّت تتعامل مع الأزمة بلغة الصمت رغم الدعم السخي الذي ظلّت ترفد به مشروعات تتبع للسد في إثيوبيا، وإنّ الصين قامت بتمويل السد ولديها استثماراتٌ تجارية كبيرة في إثيوبيا، كما أنها تدعم من الخرطوم وأديس أبابا الى طاولة للمفاوضات. واعتبر مراقبون أن الخطوة هذه أظهرت الصين كقوة مؤثرة في منطقة القرن الأفريقي، في وقت أعلنت فيه بكين أنها سوف تستضيف مؤتمر سلام مخصص للمنطقة منتصف هذا العام.
وفي المقابل، ما هي فرص نجاح القمة المرتقبة في ظل التراخي الأمريكي.. وما هي دوافع التنين في صفقة سد النهضة..؟
لعب أدوار
ولعل الصين ظلّت تلعب أدواراً غير مباشرة مع الدول الثلاث، حيث سبق وموّلت الصين خط النقل الرئيسي للسد الذي سيوفر الكهرباء للمدن المجاورة له، كما قدمت قروضاً بقيمة 1.2 مليار دولار أمريكي لإثيوبيا لبناء خطوط نقل الطاقة لربط السد بالمدن الرئيسية في العام 2013م.
ووفقاً لمراقبين، فإن الصين تجنّبت في السابق الانخراط بشكل مباشر في المفاوضات، لكن ونسبة الى غياب الدور الأمريكي عادت إلى الواجهة مجدداً للمساعدة في إنهاء حالة الجمود التي ظلّت تشهدها المباحثات الثلاثية.
ونشر ستيفن تشان أستاذ السياسة والعلاقات الدولية في كلية لندن للدراسات الشرقية والأفريقية سابقاً، إن بكين يمكنها استخدام خبرتها في بناء السدود وإدارة آثار السدود الضخمة لمساعدة الدول الثلاث على التوصل إلى اتفاق، وأوضح “ما يمكن أن تفعله الصين هو تقديم مُخطّطات أولية لمستويات المياه والإطلاقات المرحلية للمياه من السد، وذلك باستخدام التقنيات بدلاً من المبادرات السياسية العادية لضمان العدالة المقبولة في موارد المياه الثمينة المعنية”، ويُوضِّح الموقع الصيني، أنّ الاستثمارات الصينية في الدول الثلاث تأتي ضمن مبادرة الحزام والطريق الذي يهدف إلى تعزيز التجارة والاستثمار عبر آسيا وأفريقيا وأوروبا.
دعم الاتحاد الأفريقي
وقال محمد سليمان، الباحث في معهد الشرق الأوسط للأبحاث ومقره واشنطن، إنّ موقف الصين هو دعم العملية التي يقودها الاتحاد الأفريقي والمفاوضات، وقال إن بكين تتمتّع بعلاقات قوية مع القاهرة وأديس أبابا وتشارك في بناء وتمويل مشروعات التنمية الاقتصادية الكبرى في البلدين، وهي بالفعل مهتمة بتجنُّب التصعيد بين مصر وإثيوبيا، مشيرًا إلى أن الوساطة الصينية ربما تُساعد في إعادة بناء الثقة المُتضائلة بين القاهرة وأديس أبابا، لكن الموقع أشار إلى تصريح سابق لوزير الخارجية الصين، وانج يي، عن رغبته في الحوار لإيجاد حَلٍّ مقبولٍ لجميع الأطراف في أقرب وقت ممكن، مضيفًا أن بلاده مستعدة للعب دور بناء.
رعاية مصالح
وفسّر الدبلوماسي والمحلل الاستراتيجي السفير الرشيد أبو شامة في حديثه لـ(الصيحة) خطوة الصين بعد تسع سنوات من مباحثات السد قائلاً: إن الصين ظلّت حريصة على رعايا مصالحها الاقتصادية بدبلوماسية تجنبهم الدخول مباشرةً في الشأن الداخلي للدول، وأضاف أن هذا لا يعني عدم إلمامها بتفاصيل الملف، وتواصلها المباشر مع الحكومات المتعاقبة للدول الثلاث، وزاد بأن الصين ربما وجدت أخيرا المدخل الذي يعود عليها بالمصالح الذاتية كقوة اقتصادية، وقال: أعتقد أن خطوة الصين جاء بعد مشاورات مع الدول الثلاث قبل ان تعلن عن رعاية القمة الثلاثية، وقال ربما ان موقف الصين هو دعم العملية التي يقودها الاتحاد الأفريقي والمفاوضات. وقال إن بكين تتمتّع بعلاقات قوية مع القاهرة وأديس أبابا وتشارك في بناء وتمويل مشروعات التنمية الاقتصادية الكبرى في البلدين، وهي بالفعل مُهتمة بتجنب التصعيد بين السودان مصر وإثيوبيا، مشيرًا إلى أنّ الوساطة الصينية ربما تُساعد في إعادة بناء الثقة بين الدول الثلاث، واستبعد أبو شامة تدخُّل الصين بتراخي أمريكا بسبب الحرب الأوكرانية الروسية، لكن يرى أن الصين وجدت المدخل والمصلحة.
القبول والارتياح
في السياق، وصف الدبلوماسي والمحلل الاستراتيجي الطريفي كرمنو في حديثه لـ(الصيحة)، العلاقة الصينية مع الدول الثلاث (السودان، إثيوبيا ومصر) بالطيبة والمتينة، وقال إن لبكين استثمارات ضخمة ونفوذا اقتصادية في أديس أبابا كما تتمتّع باستثمارات مهمة وعلاقات ثنائية مع الخرطوم منذ عهد الرئيس ابراهيم عبود وهذا ما يبعث الطمأنينة والارتياح، وحتى العلاقات المصرية الصينية لا تقل هدوءا وارتياحاً، مُقارنةً بواشنطن التي ظلّت تنتهج سياسة العصا والجَزرة مع الدول الأفريقية، وأردف بأن الصين بالتأكيد مهتمة بتجنيب التصعيد بين الدول الثلاث، وقد تساعد في إيجاد حلول للأزمة، لأنها تُحظى بالقبول والارتياح وسط الدول الثلاث.