الخرطوم: آثار كامل 25 ابريل 2022م
في ظل توالي الأحداث السياسية عقب أحداث (25) أكتوبر من العام 2021 بانطلاق التظاهرات شبه الأسبوعية، وفي ظل التحركات الدولية والمحلية الساعية لإيجاد مخرج للأزمة السياسية الراهنة مازالت الدعوات تطلق للحوار والتوافق الوطني. منها دعوات مُتكرِّرة أطلقها رئيس مجلس السيادة الانتقالي وأعضاء مجلس السيادة، آخرها دعوة أطلقها رئيس المجلس السيادي الفريق اول ركن عبد الفتاح البرهان خلال إفطار بمنزل الفريق ياسر العطا، حيث نادى للتوافق السياسي، ودعوة اخرى اطلقها عضو مجلس السيادة الطاهر حجر خلال مخاطبته الإفطار الرمضاني الذي اُقيم ببيت الضيافة في نيالا، وأكد أن الأزمة الراهنة التي تمر بها البلاد بحاجة لاستعجال التوافق الوطني والالتفاف حَول مَخرجات المُبادرات المقدمة في هذا الشأن، ودعا أصحاب اللاءات الثلاثة بعدم التمترس والجمود حتى ينطلق الحوار بين أبناء الوطن، وطالب النخب السياسية بلعب دور إيجابي لإنقاذ البلاد من المنعطف الذي تمر به البلاد حالياً.
فقدان الثقة
يرى مراقبون أن كل الدعوات التي أُطلقت لأجل التوافق الوطني من كل الأطراف المُمسكة بمقاليد الأمور وتلك المستقلة أو من القائمين على المبادرات الخارجية، كلها اُصطدمت بجدار متين اسمه انعدام الثقة بين الفرقاء السودانيين، وأوضحوا بأن إعادة الثقة بين الأطراف المتصارعة الآن يحتاج الى عمل مضنٍ ودؤوب لأجل الانخراط من جديد لأي توافق قادم.
افتقار الإرادة السياسية
قال د. عبد الرحمن أبو خريس أستاذ السياسات الخارجية في المعهد الدبلوماسي التابع لوزارة الخارجية في حديثه لـ(الصيحة)، إن المشهد الحالي والأزمة السياسية تفتقر للإرادة السياسية الجامعة لدى القوى السِّياسيَّة الفاعلة وعدم اتخاذ قرارات سياسية وطنية تُصب لمصلحة التوافق الحقيقي، منوهاً بأنه لا توجد إرادة ولا توجد مؤسسات ولا يوجد مشروع سياسي بالحد الأدنى بحجم الوطن، منبهاً بأن كل الأفكار والرؤى مُشبّعة بتأثيرات التفاعُلات منذ القرن الماضي، ولفت أبو خريس بأنه لا توجد مؤشرات الى توافق وطني وهذا يشجع المكون العسكري للاستفراد بالسلطة، مشيراً الى أن لغة التخوين ومفردات خطاب الكراهية تسود الفترة الانتقالية فلا تُوجد ثقة ولا تتوفّر بيئة توافقية بين القوى، وأشار الى أن الأحزاب السياسية تفتقر للمؤسسية الناظمة لقراراتها، مما جعلها تتردّد في اتخاذ قراراتها وتتراجع عنها بكل سهولة دون مراعاة لتأثيراتها حتى على عضويتها، ناهيك الرأي العام وعدم الثقة بين المكونين المدني والعسكري، بجانب انقسام المكون المدني على نفسه (مع الجيش وضد الجيش).
مصالح المجتمع الدولي والإقليمي
ورسم أبو خريس، طريقاً للوصول الى توافق، وقال إن الحوار هو السبيل الوحيد المفضي الى حل للأزمة، فلا خيار غير التفاوض وتشكيل حكومة توافقية انتقالية وصولاً للانتخابات، ولكن خيار فترة انتقالية مفتوحة المدة غير منطقي، مضيفاً بأن مصالح المجتمع الدولي والإقليمي متصارعة ومتباينة خاصةً في ظل الحرب الروسية الاوكرانية، كما ان القوى الفاعلة فيه لديها تباين في رؤاها وعدم إجماع في خيار تحقيق النظام الديمقراطي بالسودان ودعمه، فهي لن تصمت كثيراً على هذه الوضعية السائلة، ويبقى الخيار أمام هذه القوى الدولية باتخاذ إجراءات لا تحقق مصالح الدولة السودانية في الاستقرار والتطور بأنّ دعم قيام حكومة عسكرية شئنا أم أبينا أو خيار التفكك بالقدر الذي يضمن لكل منها مصالحها كما حَدَثَ في بعض دول الجوار، وهذا يضع الجميع أمام مسؤولياتهم التاريخية للاهتمام الجدي بأمر التوافق السياسي حول الفترة الانتقالية لإنجاح التحول الديمقراطي.
غياب الرؤية والبرنامج السياسي
قال د. عمر الزين الخبير الاستراتيجي، أستاذ الدراسات الاستراتيجية، إن المشكلة الأساسية ليست في التوافق الوطني لوحده، بل تكمن في فقدان كل الكيانات الموجودة بالساحة قبول بعضهم البعض، وزاد في حديثه لـ(الصيحة) بأن غياب الرؤية والبرنامج السياسي وعدم الثقة أيضاً من عوامل عدم التوافق، منبهاً بأنه لا بد من خطوة ضرورية لبناء الثقة وتهيئة المناخ للحوار الذي يفضي إلى بناء توافق وطني وتوسيع قاعدة المُشاركة السياسية وانتهاج منهج الحوار السلمي للوصول إلى توافق حول قضايا السودان المُعقّدة ووضع طريق سليم نحو الانتقال إلى مرحلة الانتخابات الحرة والنزيهة لاختيار مَن يحكم السودان، وطالب الجميع الدخول في جرد حساب واتخاذ موقفٍ واضحٍ تجاه الوضع المُحتقن، وأضاف بأنه لا توافق في حالة التشظي والانقسام الذي تشهده الساحة السياسية، وعلق قائلاً إن الحراك الآن وما نشهده من تقاطعات هو دليل عافية وخير من حالة الرُّكود والاحتقان، لكن بالضرورة أن يكون هذا الحراك باتجاه التحوُّل الديمقراطي وتقبُّل الآخر والجلوس للحوار وتوحيد قوى الثورة لتحقيق استكمال الفترة الانتقالية واستحقاقاتها، غير ذلك لا يحدث توافق على حد قوله.