صلاح الدين عووضة يكتب : ثقالة لذيذة!!
25 ابريل 2022م
والثقالة معروفة..
ولكن كيف يمكن أن تكون لذيذة؟..
هذا ما لم يدركه الجاحظ – من ضروب الثقالة المعاصرة – وهو يكتب مؤلفه ذاك..
كتاب (الثقلاء)… بينما هو الثقيل في نظرهم؛ ربما..
ولو كان حضر زماننا هذا لكتب – قطعاً – عن ثقلاء أشدّ ثقالةً من ثقلائه أولئك..
وهم المسؤولون الثقلاء..
الذين يصرخ الناس في وجه أحدهم جراء فشله (استقيل يا ثقيل) فيزداد ثقالة ثقيلة..
ثم يزداد (ثقلاً) على الكرسي..
فصفة الثقالة قد تكون نسبية… مثل عديد الصفات..
وصديقٌ شاعر ذرف دمعاً في هيئة قصيدة… يبكي حبيبته التي (حان زفافها)..
كان يراها بدر البدور؛ وكنت أراها (أم النمور)..
وحين قلت له عليك أن تشكر هذا الذي جعل (الزفاف يحين) قال لي أسكت يا ثقيل..
فسكت وأنا أهمهم (صحيح؛ قد أكون ثقيلاً بالفعل)..
وصديقٌ للأسرة كان يزورنا كثيراً – في صغري – لا كلام له إلا عن الأراضي..
وأنا منذ صغري ذاك – وحتى كبري هذا – أكره كلام الأراضي..
سواء زراعية… أو سكنية… أو حتى خلوية..
وذات مرة عطفت على مسنٍّ يقف بطرف الشارع فأخذته معي في طريقي..
ولكنه لم يعطف علي..
لم يرحمني من حديث الأراضي الثقيل..
وكلما مررنا بمنطقة يقول: المتر هنا كان بكذا… زمن الجنيه كذا… في سنة كذا..
وبدا لي متر المشوار وكأنه سنة… إلى أن نزل..
فنزل عني همٌ ثقيل؛ ولا أقول – احتراماً لشيخوخته – نزل عني ضيفٌ ثقيل..
وربما يكون نزل هرباً من ثقالة (المضيِّف)..
وأحد الضيوف الثقلاء – فعلاً – نزل عندي أمسية لقاء قمة..
فطفق يحدثني عن أمور البلد… وناس البلد… وأراضي البلد؛ إلى أن انتهت المباراة..
ومما ضاعف من إحساسي بثقالته أن فريقي هُزم..
وسأعذره إن رأى هو أنني الثقيل بما أن بالي كان مع الكرة… لا أراضي البلد..
وزميل دراسة – في الثانوي – ما كنا نرى أثقل منه..
وحين أقول (نرى) فذلك لأن جميع أفراد شلتنا كانوا يرونه كذلك؛ لا وحدي..
فهو ما كان يشاطرنا اهتماماتنا أبداً..
لا الكرة… لا الورق… لا التجوال… ولا أفلام سارتانا… وديجانقو… وترينيتي الجبار..
وإنما اهتمامه كان مصوباً فقط نحو الحب..
وتحديداً نحو واحدة بحينا؛ كان يأتيها مهاجراً من بعيد..
ومن الطبيعي أن يكون محل تجمعنا هو مستقر هجرته تلك؛ لا منزل المحبوبة..
وفضلاً عن (كلام الحب) كان كلامه – عموماً – كثيراً..
وربما كلام الحب هذا نفسه تراه محبوبته ثقيلاً… وتراه هو أثقل..
ومن ثم يعاتبها مردداً كلام المغني:
كلام الحب كله قلتوه… بس كلامي أنا الما عرفتوه؟
كان يثرثر كخبراء الاستراتيجية… ومندوبي جامعة العرب… ومذيعي أيامنا هذه..
وقبل فترة استوقفني اسمٌ في سجل هاتفي لم أعرفه..
واتصلت بالرقم لأستوثق من صاحبه؛ فإذا هو – لسوء حظي – صاحبنا الثرثار..
ولسوء حظه هو انقطع الاتصال سريعاً… انقطع بفعل فاعل..
ولا أدري إن كنت أنا الثقيل في نظره… أم الشبكة..
وقبل عامين رويت قصة زميلي الذي نقل لي ما يراه زملاء آخرين في شخصي..
قال لي إنهم يروني ثقيلاً جداً..
فأجبته من فوري (سبحان الله… نفس الشعور)..
بمعنى أنه شعورٌ متبادل..
والآن بعض القراء – من القطيع – يشاطرون زملائي هؤلاء نظرتهم ذاتها تجاهي..
وأعني قطيع قحت؛ أو – كما تُسمى – 4 طويلة..
ولكن الفرق بينهما أن ثقلاء القطيع ثقالتهم (عينة)… إذ أنهم من ضحايا تعليمٍ أليم..
التعليم – الدراسي – في زمان الإنقاذ..
فتجد الواحد منهم جامعياً ولا يعرف أن يكتب كما كان يكتب طالب الابتدائي زمان..
فيكتب – على سبيل المثال – (انته ما عرفته زنبك لسه؟)..
وهذا أنموذج حقيقي لرسالة غاضبة أتتني من فرد قطيع يقول إنه معجب بحمدوك..
وأنا أكره حمدوك هذا – هكذا يزعم – إذن فأنا ثقيل..
أما الهيروغلوفية هذه التي كتب بها رسالته فنفك طلاسمها ليفهما من لم يفهم..
هو يقصد أن يقول (انت ما عرفت ذنبك لسه؟)..
ثم يلح علي – بثقالة ذات سماجة لزجة – أن أرد على رسالته هذه بأعجل ما يمكن..
والإلحاح هذا باللغة الهيروغلوفية ذاتها..
هل صادف الجاحظ – يا ترى – ثقالة مثل هذه في حياته؟..
إنها لذيذة!!.