منى أبوزيد تكتب : بيت الدنيا..!
24 ابريل 2022م
“القوانين الجائرة مثل بيوت العنكبوت، تمسك بالذباب الصغير وتسمح للدبابير بالمرور”.. جوناثان سويفت..!
“البيت بيت الآخرة” هكذا يردد الحاج “حسن” ساخراً كلما سمع واحداً من أبناء وطنه المغتربين يتحدث عن شراء قطعة أرض أو بناء بيت يستره وأبناءه حال عودتهم النهائية إلى أرض الوطن. بالنسبة له لا يعدو “البيت” كونه حلماً جميلاً مستحيلاً ظل يراوده لأكثر من ربع قرن من الزمان قبل أن يتقاعد عن الأحلام بعد أن كبر الأولاد وأصبحوا جيلاً ثانياً في تصنيف المغتربين العاملين، ولم يتبق من العمر إلا القليل الذي لا يستحق القلق بشأن امتلاك بيت في السودان، بقدر السعي من أجل الفوز بـ”بيت الآخرة”..!
وليس العم “عبد الرحيم” العامل ذو الدخل المحدود والطموح المحدود بأفضل حالاً، وغيرهما مغتربين كثُر، صرفوا مدخرات العمر على تعليم الأولاد بالجامعات، أما امتلاك البيت فالله – كما يوقنون – يفقر من يشاء ثم يرزقه من حيث لا يحتسب..!
إذا كنت تسير في العاصمة الخرطوم ثم استوقفك مبنى غير مُكتمل الإنشاء، أو آخر طال وقوفه عارياً عن الجدران والأبواب فاعلم أنك أمام مشروع “بيت العمر” لصاحبه المغترب، متوسط الدخل، الذي بدأ في تشييده ثم انقطعت مدخراته فتوقف البناء إلى أجل غير مسمى، و”الله كريم”..!
وحدهم أصحاب الدخول الجيدة من المُغتربين من يمتلكون منازل تستحق أن يطلق عليها “حصاد الغربة” وعرق السنين، وهؤلاء غالباً ما يتركونها تُجمِّل أحياء العاصمة الراقية بتصاميمها المُلفتة للنظر، ويظلون في غربتهم لتحقيق بقية الأحلام..!
ومن المغتربين السودانيين في دول الخليج العربي من تمرّد على خيار امتلاك منزل في بلاد تحتل عاصمتها المثلثة المرتبة الرابعة في العالم من حيث غلاء أسعار العقار “لا تَبزُها في ذلك سوى لندن وموسكو والأراضي المقدسة في السعودية” فقرّر بعد دراسة الجدوى الاقتصادية أن ينفق بعض مدخراته لشراء بيت بسعر معقول – في مسقط رأس غربته الطويلة – بالتقسيط المريح جداً وبتكلفة أقل من ثمن بيت متواضع في أطراف مدينة الخرطوم..!
جولة قصيرة بين مكاتب العقار في الخرطوم قد تُصيب أكثر المغتربين ثراء بالدهشة والإحباط، حيث جنون الأسعار الذي لا يُخضع لمنطق العرض والطلب.. هنالك مناطق في العاصمة المثلثة تفتقر لأدنى مستوى الخدمات ومع ذلك ترتفع أسعارها بسبب ألاعيب سماسرة العقار..!
والسبب ظاهرة احتكار الأراضي من قبل التجار مع ضعف العرض وزيادة الطلب فالمساحة التي يتم التنافس حولها للحصول على قطعة أرض في ولاية الخرطوم محدودة، فضلاً عن ضغط الكثافة السكانية في العاصمة لتميزها بتوفر معظم الخدمات على العكس من بقية الولايات..!
ربما لذلك اقترح بعض المغتربين أن تساعد الدولة للمغتربين بطرح خطط إسكانية وليس شرطاً أن تكون في ولاية الخرطوم، فكثير من المغتربين يحلمون فقط بامتلاك قطعة أرض في أي بقعة من بقاع الوطن..!
المؤكد – في نهاية الأمر – هو أن زيادة العقبات وتفاقم التضحيات المبذولة من أجل امتلاك منزل في أرض الوطن هي التي جعلت “الأغلبية الصامتة” من المُغتربين، والتي يمثلها الحاج “حسن” تزهد في امتلاك بيت في الدنيا وتقبع بانتظار “بيت الآخرة”..!