مشروع التسوية السياسية.. مصيرٌ مجهولٌ!!
تقرير: صلاح مختار 23 ابريل 2022م
بعد ردود الفعل العكسية لـ(الوثيقة التوافقية)، وفي ظل تعدد المبادرات المطروحة من قِبل الأحزاب والتنظيمات السياسية، بدا المشهد السياسي مرتبكاً ومختلفاً وأكثر إنكاراً للوقائع التي حدثت، وبات مشروع التسوية السياسية أكثر قتامةً رغم تطمينات الجبهة الثورية، الوسطاء والحكماء بقُرب التوصُّل الى حلٍّ للأزمة السياسية, ربما ظَنّ الكثيرون أنّ الوثيقة تمثل حَدّاً أدنى للخروج من نفق الأزمة، ولكنها قُوبلت بتعقيدات المشهد السياسي وحالة فقدان الثقة والجنوح نحو صفحة الخلاف والركون عند مُستنقع الفشل. ولذلك يرى البعض أن المبادرات او الوثيقة لن تُخرج الناس من ضيق الحكم الى سعته, لأسباب يراها المراقبون بأنها تفتقد لأسس الحل. إذن ما مصير مشروع التسوية السياسية في السودان هل ذهب إلى المجهول أم ماذا؟.
حالة إنكار
إذا كان رهان الحل السياسي للوصول إلى أي تسوية سياسية وتحول ديمقراطي وحكم مدني كما طالب به رئيس المجلس السيادي الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان باتفاق القوى السياسية، فإن المشهد الآن لا يُلبي ذلك الطموح خَاصّةً بعد الخلافات التي ضربت الأحزاب التي وقّعت على محضر الوثيقة التوافقية، بجانب حالة عدم الإجماع على مبادرة واحدة.
ويقول المستشار الإعلامي لرئيس مجلس السيادة العميد د. الطاهر أبو هاجة، إن كثيراً من المناسبات والمواقف وضعت فيها القيادة السيادية الكرة في ملعب كياناتنا السياسية وتحلّت بالصبر الجميل، وقالت ان تعالوا إلى كلمة سواء ووفاق لا يُقصى فيه أحد. وأضاف بأن القيادة السيادية تمنّت من السياسيين الحد الأدنى من الاتفاق حتى تخرج بلادنا إلى واقع جديد وأملٍ مُرتجى، متسائلاً: لكن ترى لماذا يستبدلون الذي أدنى بالذي هو خير ولماذا يركنون ويستمعون إلى الأصوات التي تريد أن تُعطِّل عجلة الاتفاق وتعيق طريق التحوُّل الديمقراطي نحو الحرية والسلام والعدالة. وأكّد أبو هاجة أنّ حال هذه الأمة لن ينصلح؛ إلا بما صلحت به الأمم الأخرى في تساميها وتصالحها ونزع الغِل والتشفي بالعدالة الانتقالية وتناسي الماضي بكل آلامه وجراحاته. وأضاف قائلاً: ترى لماذا يُضيِّعون الزمن والوقت الثمين في مُتابعة حشود الإفطارات الرمضانية ويهدرون جهداً نفسياً وعقلياً وفكرياً في متابعة الآخرين كما كانوا يفعلون قبل 25 أكتوبر وينصرفون عن هدفهم الأساسي فيما لا جدوى منه. وخاطب أبو هاجة، الأحزاب بأن لا تدع الأشياء تتداعى من حولها فالفرص لا زالت مُواتية، مبيناً أن حالة اللا دولة التي نعيشها سببها ليس القيادة ولا المكون العسكري الذي لا يريد حضانة سياسية ولا حكماً لا يرتضيه الشعب السوداني؛ إنّما سببها التردُّد وعدم الإقبال بقوة نحو تكوين الأرضية الصلبة التي تبنى عليها الحكومة المهنية، حكومة التكنوقراط القادمة.
دائرة المشاركة
واحدة من آليات التسوية السياسية مجلس حكماء السودان، ولكن رغم الجهود التي يبذلها في تقريب وجهات النظر بين كافة الأطراف السياسية للوصول إلى تسوية سياسية بالبلاد واتخاذ الحوار منهجاً لإدارة الفترة الانتقالية والتحول الديمقراطي وتغليب صوت الحكمة وضبط النفس، إلا أن نظرة الشك من بعض القوى السياسية تعقد من مُهمّته ويبعد المشهد أكثر مما هو عليه، بيد أن رئيس مجلس السيادة الانتقالي الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان أشاد بالدور الكبير الذي ظل يضطلع به. وامّن لدى لقائه بمكتبه وفد مجلس حكماء السودان على ضرورة توسيع دائرة المُشاركة لجمع كل القوى السياسية المؤمنة بالتغيير، فيما رحب بمبادرة الحكماء لتوحيد وتنسيق المبادرات الوطنية التي تُصب في إطار الجهود الوطنية المُخلصة لحل الأزمة السياسية الراهنة أي الوصول إلى تسوية.
التسوية السياسية
ولكن رئيس الحزب الناصري تيار العدالة الاجتماعية، ساطع الحاج يرى أن أي تسوية تتجاوز لجان المقاومة ستكون قاتلة، لأنها لم تحدث بين الأطراف الرئيسية. وأضاف: الرؤية الآن واضحة بأن يكون العسكريون خارج المشهد الخاص بالتحوُّل الديمقراطي؛ لأن الأخير تقوم به القوى السياسية والمدنية. وتابع: المكون العسكري لا علاقة له بالتحوُّل الديمقراطي، وليس جزءاً من العملية، وهو فقط معنيُّ بحراسة التحوُّل المدني الديمقراطي. وأكد ساطع الحاج أن تصعيد الشارع سيستمر إلى أن تنتصر إرادة الجماهير بقُدرتها على خلق تحول ديمقراطي بإزالة كل المتاريس التي تُعيق طريق التحوُّل بالاستفادة من تجربة العامين الماضيين بحسب السوداني. وأشار الحاج الى أن تحالف الحرية والتغيير لم يعد القائد الوحيد الآن على الساحة السياسية السودانية، مشيراً لوجود قيادات عبر لجان المقاومة بدأت في الظهور الآن.
تعقيد المشهد
يقول المحلل السياسي والقانوني إبراهيم محمد آدم، إن الوصول إلى تسوية سياسية في ظل الوضع الراهن فيه كثيرٌ من التعقيد بسبب تباعُد المواقف وانعدام الثقة وحالة الإنكار حتى داخل الأحزاب فيما بينها، ولفت في حديث لـ(الصيحة) إلى ما يدور داخل حزبي الأمة والاتحادي الأصل وبقية القوى السياسية من الخلاف حول المبادرات المطروحة واختلاف بعض القيادات فيما بينها حول القُبول أو الرَّفض، وبالتالي من الصُّعوبة بمكان التكهُّن بما تؤول عليه الأمور إذا لم تضع تلك الأحزاب نظرتها الذاتية جانباً، والنظر الى قضايا السودان بنظرة كلية حتى يتم التوافق والاتفاق على رؤية موحدة للفترة المقبلة. وقال واحدة من مشكلات السودان تعدُّد المُبادرات التي تُطرح حول حل للأزمة رغم أنها تتفق في معظمها، إلا أن الوصول إلى اتفاق حول نقاط الاختلاف تصبح هي المشكلة، وبالتالي ما لم تتوحد رؤى الأحزاب وتتفق على حل موحد فإن الأزمة لن تراوح مكانها ولن نصل إلى تسوية يمكن أن تجمع غالب أهل البلاد.