الخرطوم: مريم أبشر 21 ابريل 2022م
بعثة الأمم المتحدة لدعم الانتقال الديمقراطي في السودان (يونيتامس) تواجه مؤخراً بعض الاتهامات والنقد من قبل بعض أطراف الصراع السياسي في السودان، أحياناً بالتواطؤ و أحياناً بالتدخل في شؤون ليست من ضمن اختصاصها المفوضة بموجبه من قبل الأمين العام للأمم المتحدة، بيد أن خبراء في الشأن الأممي يرون أن الاتهامات و المُضايقات التي تطال البعثة و رئيسها الألماني فولكر بيرتس من قبل الأطراف سواء حكومة أو قوى سياسية، تأتي متسقة مع توجهات كل طرف وسعيه لانتقاد ما تقوم به البعثة من تحركات، عندما تكون غير متوافقة مع توجه ذاك الطرف، بل أن مُعظم المُتابعين يرون أن بعثة (يونيتامس) طوال فترة عملها في السودان لم تتجاوز تفويضها الممنوح لها وفق مواثيق الأمم المتحدة وأن الانتقادات تأتي في إطار الصراع السياسي بين أطراف الأزمة السودانية وأن رئيس البعثة ظل يكرر دائماً في كل تحرُّكاته ومشاوراته التي أجراها منذ وصول البعثة قبل عامين، ومؤخراً بعد قرارات الخامس والعشرين من أكتوبر العام الماضي، أنهم كبعثة أممية، مهمتهم هي تسهيل الحوار وإزالة العقبات و تقريب شقة الخلاف بين الأطراف السياسية في السودان مدنية و عسكرية وليس فرض حلول ملزمة.
استعداء
خلال الأيام الماضية، اتهمت بعثة الأمم المتحدة لدعم الانتقال في السودان (يونيتامس)، جهات لم تسمها بالتحريض على العنف ضدها، وطالبت السلطات السودانية بمحاسبتهم، وقالت في تغريدة لها إن شيطنة الشخصيات العامة والخاصة والتحريض على العنف ضدها سلوك يحمل بصمات جرائم الكراهية، وأضافت: من مصلحة المجتمع والسلطات إحالة القائمين عليه للمساءلة دُون إبطاء وعلى وجه السُّرعة.
قدوم البعثة
بعثة (يونيتامس) وصلت للخرطوم في أعقاب صدور إعلان من قبل الأمين العام للأمم المتحدة بتعيين فولكر بيرتس (الألماني) ممثلاً خاصاً له في السودان ورئيساً لبعثة الأمم المتحدة المتكاملة لمساعدة السودان خلال الفترة الانتقالية (يونيتامس).
وحسب السيرة الذاتية المرفقة لبيرتس انه يتمتع بخبرة تمتد لخمسة وعشرين عاماً في المجال الأكاديمي والأبحاث والعلاقات الدولية والدبلوماسية، بما في ذلك في الأمم المتحدة، إضافة إلى خبرة كبيرة في مجال حل النزاعات والشؤون الجيوسياسية الإقليمية، وأن بعثة الأمم المتحدة المتكاملة لمساعدة السودان خلال الفترة الانتقالية قد أنشئت بمُوجب قرار مجلس الأمن رقم 2524 الصادر عام 2020 وقد عمل بيرتس في الفترة بين عامي 2005 وسبتمبر 2020، رئيساً تنفيذياً ومديراً للمعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية الذي يشغل فيه حالياً منصب مستشار رفيع المستوى، وبين عامي 2015 و2018، عمل بيرتس مساعدا للأمين العام ثم كبير مستشاري المبعوث الخاص للأمين العام إلى سوريا، بما في ذلك رئيس مجموعة الدعم الدولية لمجموعة العمل المعنية بوقف إطلاق النار، نيابة عن الأمم المتحدة، وكان أيضاً باحثاً ورئيس إدارة في المعهد الألماني للدراسات الدولية والأمنية بين عامي 1992 و2005 وقد بدأ حياته الأكاديمية أستاذا مساعدا بالجامعة الأمريكية في بيروت وهو يحمل درجتي الماجستير والدكتوراه في العلوم السياسية من جامعة دويسبيرغ الألمانية. ويتحدث فولكر بيرتس الإنجليزية والعربية بطلاقة. وهذه الأكاديمية والعملية تؤكد ان اختياره جاء وفق معايير و مطلوبات التعامل في مثل هكذا ملفات بالدول الأعضاء في الأمم المتحدة ومن بينها السودان.
تعنيف رئاسي
وجه رئيس مجلس السيادة مؤخراً، انتقادات لاذعة لرئيس البعثة الأممية فولكر بيرتس وهدّده بالطرد حال تجاوز حدود تفويضه، و أشارت المعلومات التي رشحت في أعقاب تهديد فولكر بالطرد إلى ان الانتقاد المُوجّه إليه من قبل الحكومة ممثلة في الشق العسكري، جاء بسبب اتهامه تضمين معلومات مغلوطة لتقريره الذي قدمه لمجلس الأمن و انه يستقي معلوماته من قوى سياسية مناوئة للحكومة الحالية.
ويُشير مُراقبون إلى أن عدم رضاء المؤسسة العسكرية عن أداء فولكر يتزايد يوماً بعد آخر وهي المسيطرة على مقاليد الحكم في السودان حالياً خاصةً فيما يتصل بتحركات بعثة الأمم المتحدة، التي بدأت مساع للتسوية بين الفرقاء السياسيين بعد الأزمة العميقة التي خلّفتها إجراءات الخامس والعشرين من أكتوبر.
ورشحت معلومات عن تلقي السلطات، نصائح من قانونيين لمطالبة مجلس الأمن بإلغاء مهمة البعثة، غير ان المؤكد الآن أن مبادرة تقريب وجهات النظر بين الأطراف و هي المبادرة الثلاثية التي تضم الأمم المتحدة الاتحاد الافريقي و منظمة إيقاد التي يترأسها السودان تعد الأوفر حظاً من ضمن جملة من المبادرات المطروحة.
ضياع هيبة
البعثة أُفرغت من محتواها و مضمونها من السلطات القائمة، و لم تعد لها قيمة وفق التفويض الذي جاءت به نتيجة لضعف رئيسها فولكر، هذا ما يراه الأكاديمي الدكتور صلاح الدومة، مُضيفاً في حديثه لـ(الصيحة) بأن بعثة (يونيتامس) فقدت هيبتها ومضمونها الذي أتت به للمساعدة في الانتقال الديمقراطي، واشار إلى ان فولكر ذكر بأنّ معلومات تقريره الذي قدّمه لمجلس الأمن الدولي مؤخراً استقاها من مكتبه وأنه على استعداد لتعديل المَعلومات الخَطأ، واصفاً ذلك الحَديث بأنّه ينم عن ضُعف، وتساءل كيف لممثل أكبر مؤسسة دولية يبصم على تقرير دُون أن يستوثق من معلوماته، وزاد: هذا لعب على الدقون، واعتبر حديثه محاولة لإرضاء غضب الحكومة القائمة، ورأى أنّ إقالته لمساعده الدكتور أمجد فريد بمثابة جعله كبش فداء، وقال يجب أن يطرد فولكر فوراً من قِبل الشعب اليوم قبل الغد، لأن وجوده لم يعد ذا جدوى لدعم الثورة.
نيران
مصدر دبلوماسي فضّل حجب اسمه يرى خلال حديثه لــ(الصيحة) أن البعثة الأممية جاءت بتفويض من الأمم المتحدة و بقرار من مجلس الأمن لمساعدة السودان في عملية الانتقال الديمقراطي وهو استحقاق للسودان بصفته دولة عضو في الأمم المتحدة و يدفع حق عضويته، و أن فولكر لم يتجاوز التفويض الممنوح له، غير ان أجواء الخلاف السياسي التي يشهدها السودان وانسداد أفق الحل، جعل رئيس البعثة ومعاونيه في مرمى نيران النقد والتلويح بطرده من حينٍ لآخر.