صلاح الدين عووضة يكتب : وعي وجودي!!
22 ابريل 2022م
رمضان كريم..
ثم جمعة مباركة..
ودعنا نتمعن في عظمة هذه الآيات:
( وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آَدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ..
وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى..
شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ..
أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آَبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ..
وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآَيَاتِ وَلَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ)..
وليست هي عظيمة وحسب… وإنما مخيفة..
وسبب ما فيها من رهبة تلخيصها لفلسفة الوعي الوجودي..
فلسفة الجمع بين نقيضين؛ العدم والوجود..
فلسفة مخالفة لما درج على قوله الوجوديون عن العدم..
فالآيات تثبت أن لنا وجوداً (ذا وعي)؛ يسبق وجودنا (ذا الصرخة)..
إن لنا قدراً من الوعي؛ وإن بدا عدمياً..
وعي أدركنا به وجود الله إذ يشهدنا على أنفسنا في عالمه الأزلي..
وأدركنا به وجودنا نحن إذ نقول بلى..
ودلالة وعينا هذا هو الإيمان (الفطري) بالله..
ثم يضل من ضل منا بفعل أهواء النفس… وإغراء الدنيا… وغواية الشيطان..
ولكنها ضلالة تغبش الفطرة؛ ولا تمحوها..
وفي ذلك يقول الحق (وإذا مسكم الضر في البحر ضل من تدعون إلا إياه)..
إذن فالإنسان موجودٌ (وعياً) قبل أن يولد..
وسوف يوجد (وعيا) بعد أن يموت..
ولكن الوعي الثاني هذا يختلف عن الأول بانبعاثه عن ذاته..
هو وعي بالروح التي هي من روح الله..
يقول تعالى (فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ)..
ومن ثم فإن لها شيئاً من خصائصها؛ مع الفارق..
فالروح حين كانت في الجسد توظف أعضاءه لأغراض وعيها؛ لأغراض حياتها..
فهي ترى بالعين… وتسمع بالأذن… وتعي بالعقل..
وعندما تغادر الجسد هذا تكون هي (ذاتها) الناظرة… والسامعة… والواعية..
ولكن تنعدم صلتها العضوية بعالم المحسوس..
أو تظل واعية به من وراء حجاب..
يقول تعالى (ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون)..
ولذلك يكثر الحديث عن نوع من التواصل – غريب – بين الأحياء والأموات..
أو في الحقيقة هم ليسوا أمواتاً إلا بأجسادهم..
ولكن أرواحهم تبقى حيةً؛ ذات وعي لا يخضع لنواميس دنيانا هذي..
وعي لا تحده حدود الزمان… والمكان… والأبدان..
وإن كانت لا تشعر بالزمان هذا؛ كحالها حين خاطبها خالقها بالآيات أعلاه..
أو – بمعنى آخر – ما من زمان؛ بما أنه ما من حركة..
وتعي كذلك بمصيرها؛ ثواباً كان… أم عقاباً..
يقول الخالق (النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا..
وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آَلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ)..
فلا عدم – إذن – إلا عدم الوعي بعدمية الدنيا تحت تأثير الشهوات..
شهوات النفس… والمال… والسلطة..
وفرعون لم (يدرك) هذه الحقيقة إلا حين (أدركه الغرق)؛ إلا بعد فوات الأوان..
وسقط في امتحان ذي كلمتين..
يسقط فيه أمثاله أجمعون؛ في كل زمان ومكان..
لعلهم يرجعون!!.