منى ابو زيد تكتب : الدِّيمُقراطيَّة والقُرَّاصَة..!
20 ابريل 2022م
“قيمة المواطن شجرة وعي والدِّيمقراطيَّة أهم عناصر تمثيلها الضوئي”.. الكاتبة..!
السياسيون يعولون في نجاحهم على مجموعة قرارات تسبقها حزمة افتراضات على طريقة “ماذا لو”، وينتهي تنفيذها بأن تظل الحكومة “في السليم”، على كل حال ومع أي “لو”. لكن ماذا عن معادلات النجاح في حياة الشعوب، ماذا عنك وعنِّي، نحن دَافِعُو الضرائب ومُطفئو الحرائق والرُّعاة الرسميون لمدخلات الإنتاج التي تسبق مخرجات أي وفاق وطني..؟!
تعال – أنت وأنا يا محمد أحمد – نتخيّل!. تخيّل أنك شابٌ في مقتبل العمر خريج اقتصاد واقع في شباك زميلتك “نانسي” برلومة القانون الرقيقة، التي يتورّد خداها عندما تغني صاحباتها في الداخلية “الحرفو صاد بلاقي.. الفي اقتصاد حبيبي”، وتبشِّر أنت عندما تسمع مقطعاً آخر من ذات الأغنية “الحرفو نون بلاقي.. برلوم قانون حبيبي”..!
ثم، وأنت على أبواب امتحانات التخرج، تحلم بأن تعمل و”تكوِّن” نفسك ليتم لَم الشمل “بالحرفو نون” تأتي الانتخابات، فتقف في صفوف الناخبين كأي مواطن مسؤول في بلد ديمقراطي، وتعطي صوتك لفلان الفلاني لجملة أسباب موضوعية تتلخّص في برنامجه الانتخابي..!
تلتحق أنت بوظيفة مُحترمة و”تكوِّن” نفسك وأنت في بلدك، وتمضي ثلاث سنوات وتتخرج “نانسي”، ثم تذهب أنت بصحبة رهط من وجهاء أسرتك لخطبتها، وبينما تتشاغل أنت بإحصاء عدد الورود في مفرش طاولة القهوة بصالون بيت أهل “نانسي” يرد والدها بالإيجاب وتقرأون الفاتحة. ثم يصيح ابن عم والد العروس بتلك الطريقة المسرحية – المتوقعة سلفاً – مطالباً بخير البر وعاجله، فيتوافق الحاضرون على عقد القِران، على أن يتم إكمال مراسم الزواج خلال فترة أقصاها سنة..!
يتزامن موعد زواجك مع حلول الانتخابات فلا تنسيك فرحة العمر واجبك الانتخابي، وتقرر عدم ترشيح “فلان الفلاني” لأنّ بعض سياساته قد خذلت توقُّعاتك، وتعطي صوتك – هذه المرة – “لعلان العلاني”. وتدخلان – نانسي وأنت – القفص إياه، وبعد عددٍ لا بأس به من المَزالق المَاليّة والشجارات الزوجية – وبعد أن يمتد الروتين على أريكة الشغف – تنجبان “حمودي”..!
تشارف فترة “علان” الرئاسية على الانتهاء وتتزامن مناسبة دخول “حمودي” مرحلة الروضة مع موعد الانتخابات، فلا تنسيك أعباء الأبوة واجبك الانتخابي. تقرر إعادة ترشيح “علان” لأنه قد استطاع بسياساته أن يكسب ثقتك على العكس تماماً من سلفه “فلان”. يفوز “علان العلاني” بالانتخابات مرةً أُخرى، فتشعر أنت أنك مُواطن “حُر” فينعكس ذلك الإحساس على تفاصيل حياتك وحياة “نانسي” و”حمودي” وبقية أولادك القابعين في رحم الغيب..!
تتعاقب السنوات بشتائها القاسي وخريفها الغارق وصيفها الحارق وربيعها الفواح، وأنت – لا تزال – مُواطناً “حراً” يهوى مشاهدة مباريات المصارعة الحرة ويعشق “القراصة بالدمعة”. أما أولادك فيشبون عن الطوق – بدورهم – مواطنون أحرار، يمقتون “القراصة بالدمعة” ويعشقون البيتزا بالخُضار. فتتحامل أنت على شهيتك ولا تفرض ما تشتهيه عليهم في وجبات الأسرة الجماعية، لأنّ شعارك دوماً هو الحرية لك ولسواك..!
تعيش أنت و”نانسي” و”حمودي” و”ألُّوية” – التي يصادف يوم ولادتها تاريخ فوز مرشحك الرئاسي بدورة رئاسية جديدة – في سعادة وقناعة وراحة بال، لا تخلو من بعض النكد الأسري السودانوي المعهود الذي لا يفسد لنبل العُشرة الزوجية قضية..!
لحظة من فضلك!. “ما تسرح”، نعود إلى افتراض “ماذا لو”، بتعديل طفيف هذه المرة. أنت خريج “اقتصاد” وهي برلومة “قانون” ..إلخ ..إلخ.. مع اختلاف ميلودرامي في السيناريو. “نانسي” تتزوج مغترباً ميسور الحال وتسافر إلى أحد المهاجر لأنها تعلم أنك ستبقى عاطلاً عن العمل لسنوات طوال. أما أنت فتتزوّج – بعد سبع سنوات عجاف – من قريبتك “نفيسة” فقط لأنها قد رضيت بعجزك ورقة حالك..!
ثم تنجبان أولاداً، يوم أن يرضى عنك الزمان فترضى عنهم تتحلّقون حول صحن “قراصة بالدمعة”، وبقية الأيام تطبق وجبة “الفول المصلَّح” على أنفاسك كالمُعتاد. فتنتهرهم وتنتقدهم على الدوام، فيشبون عن الطوق تعساء “زهجانين” مثلك..!
أنت ديكتاتور صغير في المنزل لأنك موظف مقهور في العمل ومواطن مطحون في الشارع. مواطن – ملدوغ من جُحْر الحكومة ومفلُوق من حَجَر المعارضة – مواطن “لا مُبالٍ” يرى في صناديق الاقتراع “حصَّالات” حاصل..!